IMLebanon

النهار: الجبل يجدد مصالحته ورسالة جنبلاطية “نارية”

 

اذا كان السعي الأساسي من احياء ذكرى المصالحة المسيحية – الدرزية التي ولدت عام 2001 على يدي البطريرك الماروني الراحل مار نصرالله بطرس #صفير والزعيم الدرزي #وليد جنبلاط، ترسيخ هذه المصالحة وتعميقها في اتجاهات تتجاوز البعد الوطني الى الاقتصادي والاجتماعي، فان يوم الجبل امس كان اختراقا لواقع سياسي ووطني يتسم بالانسداد والقتامة والتدهور واليأس. اذ ان محطات جولة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس #الراعي وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي ابي المنى بكل ما حفلت به ولا سيما في بعقلين والمختارة بدت بمثابة رسالة مزدوجة : الوجه الأول منها برسم أهالي الجبل للتشديد على ان المصالحة صارت فعل حياة دائمة وتحتاج الى تطوير في ظل الانهيار والفقر والبطالة والهجرة للحفاظ على الصمود الاجتماعي لأبناء المناطق. والوجه الثاني برسم جميع اللبنانيين للقول بان مصالحة الجبل هي النموذج الأكثر تألقا وتاهلا للوطن برمته خصوصا في ظل المعاناة التي يرزح تحتها جميع اللبنانيين وكل المناطق كما في ظل الازمة السياسية التي تواجه انسدادا مطبقا.

 

هذه الدلالات جعلت يوم الشوف وبالاصح يوم الجبل حدثا فريدا بذاته. لكن “فرادته” هذه اتخذت منحى أخر مخالفا حين اخترق الزعيم الدرزي ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي سابقا وليد جنبلاط الجانب الأشد حساسية من هذا التطور بمفاجأة عبر رسالته النارية المقتضبة التي خاطب بها البطريرك الراعي من باحة المختارة التاريخية. رسالة نارية توجه بها بالانتقاد الصارم علنا الى موفدي الولايات المتحدة وايران الى لبنان كما بانتقاد قاس ضمنا الى من ساد الاعتقاد بانه يقصد به رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لموقفه الأخير من موضوع الحوار. ولعل اللافت في هذا السياق ان البطريرك الراعي الذي سمع موقف جنبلاط بانتباه تام كما قبله موقف شيخ العقل المؤيد بوضوح للحوار، تجنب في المحطتين تناول ملف الحوار وحصر مواقفه بمناسبة حضوره الى الجبل .

 

ففي محطة المختارة من يوم الجبل خاطب جنبلاط البطريرك قائلا أنَّ “المصالحة تكرّست بالرغم من أصوات النشاز من هنا وهناك، والتي تصرّ على نبش القبور وتنسى صفحات العيش المشترك المجيدة للجبل والوطن”، وأضاف: “في أدبياتنا، كلّ الشهداء هم شهداء الوطن دون تمييز من أي جهة كانت، وفي ما نسمعه من نظريات ليس هناك أغبى أو أسخف لكن أخطر ممن ينادون بالفراغ، ولا يسهّلون موضوع الانتخابات الرئاسية”. وقال: “في نسخة أخرى من النظريات حول ما يسمى مواصفات الرئيس، وكأنَّ المطلوب أن يتعلّم المجلس النيابي دروساً في النحت أو الخياطة، فعندما تريد الدول حلّ الأمور تحلّها” ولفتَ إلى أنَّ “يأتينا وزير الخارجية الإيراني حسن أمير عبد اللهيان بالتزامن مع زيارة رجل “الترسيم” آموس هوكشتاين وكليهما صرّحا بتأييدهما لإنجاز الانتخابات الرئاسية، ممتاز، كيف؟، فهل يمكن ترسيم حقل بعبدا يا سيّد هوكشتاين وهل يمكن تسهيل الانتخابات يا سيّد عبداللهيان؟ وتحديد الصندوق السيادي الجديد مع الدول المعنية والقادة المحليين، سؤال مجدداً من مراقب بعيد”.

 

بدوره، أكّد الراعي أنَّ”هذا اليوم تاريخيّ وأتينا لكي نُحيي مرة أخرى المصالحة التي قمتم بها مع البطريرك صفير وأردتما أن تشمل جميع اللبنانيين، ولا مصالحة من دون مصارحة” وأشار إلى أنه “لا يمكن أن يستمر لبنان في هذه الحالة وقد أصبح غريبًا عن ذاته، ولم نهتد حتى الآن إلى حلول وطنية وبذلك فالأمور تتفاقم” متوجّهاً لجنبلاط بالقول: “أنت حامي هذا التاريخ مع نجلك وتحافظ عليه وعلينا أن نحمل هذا الهم، والمسيرة بدأناها معاً ونكملها يداً بيد للعمل معاً من أجل وحدة الوطن وشفائه والمصالحة أن تشمل كلّ لبنان”.

 

وكانت الجولة بدأت في دارة شيخ العقل في شانيه، وشملت بلدة الباروك ثم المكتبة الوطنية في بعقلين حيث توجه أبي المنى للبطريرك الراعي بالقول: “زيارتكم اليوم خطوة مباركة إذ إنّها زيارة تأكيد على نهج المصالحة وتجديد لمسيرة العمل المشترك من أجل نهضة الجبل وتطلّعات الوطن في ظلّ التحديات الكثيرة .مصالحة الجبل التاريخيّة لم تكن ورقة تفاهم موقّعة من زعيم وبطريرك وشيخ وشهود بل كانت عهد الحكماء والأبطال الرجال وكانت عهداً من القلب إلى القلب يقول إنّ الجبل تاريخ والتاريخ لا يُمحى بحادثة هنا ومواجهة هناك”، سائلاً: “لماذا لا نتّحد لتعزيز الأمل بالمستقبل في ظلّ انهيار الدولة؟ ألا يستوجب الأمر مصالحة من نوع آخر؟ مصالحة على شكل مبادرات عمليّة لبناء المؤسسات وإقامة المشاريع المنتجة… ألا يجدر بنا أن نضع خطة استراتيجيّة للنهوض والاعتماد على أنفسنا؟”.

 

وفي ما يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي، أشارَ أبي المنى إلى أنَّ “الحوار سبيل وليس غاية فلماذا لا ندعو إليه ونشارك به لإحداث خرق في جدار التعطيل سعياً إلى جمال التسوية النافعة المجدية؟”.

 

بدوره، أشارَ الراعي إلى أنَّ “الأساس في لبنان هو الوحدة في التنوّع فنحن معاً نشخّص مشكلتنا، ونبحث عن العلاج لمَا نُعانيه وهذا ما نصبو إليه مع شيخ العقل وذوي الإرادة الحسنة، ولن نتراجع عن هذا العمل لأنّه واجبٌ وطنيّ علينا”، مضيفاً “صحّة لبنان من صحّة الجبل وهذه مسؤولية مشتركة تقع على عاتقنا جميعاً كلمة مصالحة تتطلّب أعمالاً ومبادرات وعلى عاتقنا مسؤوليّة مشتركة لنعمل معاً من أجل وحدة شعبنا وهذا لن أتراجع عنه”.

 

#فرنسا و#السعودية

 

في غضون ذلك أفادت مراسلة “النهار” في باريس رندة تقي الدين انه من المتوقع ان يعقد الفريق السعودي الموجود في باريس المؤلف من مستشار ولي العهد السعودي نزار العلولا والمدير في الخارجية السعودية بندر قطان والسفير السعودي في لبنان وليد بخاري اجتماعات في قصر الاليزيه مع باتريك دوريل المستشار الرئاسي لشؤون الشرق الاوسط والوزير السابق جان ايف لودريان المبعوث الرئاسي للبنان قبل توجه الاخير الى لبنان وبعد محادثات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الهند مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان مساء اليوم السبت . وبحسب مصدر فرنسي رفيع لن ينعقد اللقاء بين الفريق السعودي والمسؤولين الفرنسيين الا بعد ان يتم اللقاء السعودي الفرنسي في الهند الذي أعلنت الرئاسة الفرنسية انه سيعقد ظهر اليوم بتوقيت بيروت على هامش قمة العشرين في الهند.

 

نيران #عين الحلوة

 

في غضون ذلك لم يقتصر المشهد الداخلي على مجريات يوم الجبل، بل انشغلت الأوساط الأمنية والسياسية والديبلوماسية بتقصي الدلالات التي يترجمها الانفجار الحاد المتجدد للقتال في مخيم عين الحلوة حيث صار مؤكدا ان الجماعات الأصولية المتشددة تقف وراء تفجير الاشتباكات لمجموعة اهداف تتصل بمن يحرك هذه الجماعات من داخل الحدود كما من ورائها. وكما كان متوقعا، فان الضالعين في اغتيال القيادي الفتحاوي العميد ابو اشرف العرموشي لم يتم تسليمهم الى العدالة، واندلعت منذ مساء الخميس جولة قتال جديدة في عين الحلوة، وتصاعدت امس الاشتباكات المسلحة بين حركة “فتح” والجماعات الأصولية على محور البركسات التعمير الطوارئ، وقد خفت حدتها حيناً واشتدت أحياناً، حاصدة اكثر من أربعين جريحا. وأدى الرصاص الطائش الذي طاول بعض أحياء مدينة صيدا خلال الجولة الثانية من الإشتباكات في المخيم، الى إصابة عنصر في الأمن العام برصاصة في رأسه. وكانت احدى قذائف الاشتباكات سقطت صباحا على سطح مبنى سرايا صيدا الحكومي، ومكتب تابع للأمن العام فيها ما تسبب باضرار جسيمة في سطح المبنى وتحطم زجاج أحد مكاتب الأمن العام في السرايا .وقد وجه المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان عمران ريزا نداء عاجلا لوقف القتال في مخيم عين الحلوة وإخلاء المدارس التابعة للأونروا .

 

واشارت حركة “فتح” الى أنّ” الاشتباكات في مخيم عين الحلوة تجري مع جماعات تكفيرية” لافتةً الى أنّ “هناك محاولات لحث المسلحين على تسليم أنفسهم”. واوضحت “فتح” أنّ لجنة التحقيق بالاشتباكات “لديها أسماء معروفة” كاشفةً أنّ “المسلحين في المخيم ليسوا فلسطينيين فقط وبينهم جنسيات أخرى”.

 

وبدوره أكد المسؤول الإعلامي في السفارة الفلسطينية في بيروت، وسام أبو زيد، أنه “من الضروري رفع الغطاء عن التكفيريين ووقف الحملات التي تعطيهم أي نوع من الأحقية بمحاولة الهجوم على مكونات الشعب الفلسطيني، وأي فصيل داخل مخيم عين الحلوة”. وقال “هناك إجماع فلسطيني ولبناني رسمي وحزبي وشعبي بأن هذه الحالة تشكل عبئا على الأمن اللبناني والفلسطيني، وهناك علاقات بين الشرعيتين والشعب اللبناني والفلسطيني والقوى بين البلدين، والكل حريص على أمن المخيم والجوار، بالتالي المطلوب رفع الغطاء عن هذه المجموعات التكفيرية فهم يستهدفون الوجود الفلسطيني بشكل أساسي بهدف إنهاء القضية الفلسطينية والمخيم والوجود الفلسطيني، وهناك إجماع حتى من قبل القوى الإسلامية داخل المخيم التي أدانت الاغتيالات التي ارتكبتها المجموعات التكفيرية”.

 

وجرت اتصالات كثيفة لاعلان وتثبيت وقف النار اعتبارا من ساعات المساء حيث تراجعت الاشتباكات ولكن وسط حذر شديد خشية خرق وقف النار في أي لحظة .