Site icon IMLebanon

اعلان الوصاية الإيرانية على لبنان

جاء الإفراج عن الوزير السابق ميشال سماحه المدان في قضية مرتبطة بنقل متفجرات من سوريا من اجل تنفيذ تفجيرات واغتيالات في لبنان مباشرة بعد سعي الرئيس سعد الحريري الى تسوية في شأن رئاسة الجمهورية انقاذا للجمهورية. الهدف من اطلاقه واضح كلّ الوضوح ويتمثّل في ان لبنان لم يعد بلدا يستطيع فيه اللبنانيون الإتفاق في شأن اي موضوع كان، بما في ذلك انتخاب رئيس للجمهورية.

فاجأت التسوية التي سعى اليها سعد الحريري كثيرين، بمن في ذلك حلفاء لرئيس الوزراء السابق، خصوصا انّها قضت بايصال النائب سليمان فرنجيه الموجود في صلب جماعة «الثامن من آذار» التي يقودها «حزب الله» الى رئاسة الجمهورية. فضلا عن ذلك، يعتبر فرنجيه نفسه «صديقا» لبشار الأسد رئيس النظام السوري المتواطئ، في اقلّ تقدير، في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه والجرائم الأخرى التي استهدفت اللبنانيين الشرفاء حقّا.

من الأفضل التعاطي بدم بارد مع اطلاق محكمة التمييز العسكرية لمجرم مدان بالصوت والصورة وباعترافاته الشخصية في قضيّة استهدفت القتل من اجل اثارة الفتنة المذهبية وضرب السلم الأهلي في مناطق معيّنة ذات كثافة سنّية في البلد.

لم يعد سرّا، من خلال اعترافات ميشال سماحه وما ظهر في الأشرطة المسجلة له وهو يسلّم المتفجرات والمال الى الشخص الذي كان مفترضا به تنفيذ الاغتيالات والتفجيرات، ان بشّار الأسد متورط في المخطط الإرهابي، كذلك اللواء علي المملوك، مسؤول جهاز الأمن القومي، الذي كان سماحه يتعاطى معه مباشرة او عن طريق مدير مكتبه.

لم يأت اطلاق ميشال سماحه من عبث. التوقيت كان مدروسا وجاء ليؤكد «حزب الله»، ومن خلفه ايران، ان لبنان صار تحت السيطرة. لم يعد هناك سلطة لبنانية مستقلّة عن «حزب الله». بات في استطاعة النائب محمّد رعد، رئيس الكتلة البرلمانية في الحزب القول ان سعد الحريري شخص «غير مرغوب فيه» في لبنان. هذا حدث لبناني مرّ مرور الكرام على الرغم من خطورته الشديدة.

اثبت «حزب الله»، من خلال اطلاق محكمة التمييز العسكرية لميشال سماحه انّه وضع لبنان تحت وصايته. ممنوع حتّى على سعد الحريري الذهاب الى حدّ القبول بسليمان فرنجيه رئيسا للجمهورية. مطلوب بقاء الموقع شاغرا الى ان يقرّر «حزب الله» متى اوان الإتيان بشخص يشغله، هذا في حال كان يريد بالفعل ان يكون هناك رئيس للجمهورية يوما. هناك رغبة ايرانية واضحة في تعديل النظام في لبنان، بما يضمن لطهران التحكّم بالبلد ومصيره من جهة والتفاوض مع «الشيطان الأكبر» الأميركي في شأن الرئاسة اللبنانية من جهة اخرى.

لم يعد لبنان سوى ورقة في جعبة طهران. تعتبر ايران في ضوء توقيعها الإتفاق في شأن ملفّها النووي ان لبنان جائزة ترضية بالنسبة اليها وعلى العالم الإعتراف بذلك والرضوخ له. لم تستثمر ايران ما يزيد على ثلاثين عاما في «حزب الله» من اجل يبقى لبنان صاحب قراره. لم تغيّر طبيعة قسم كبير من المجتمع الشيعي في لبنان، كي يعود ابناء هذا القسم من ابناء الطائفة مواطنين لبنانيين لديهم الحقوق والواجبات مثلهم مثل اي مواطن عادي آخر. 

باطلاق ميشال سماحه، بالطريقة التي اطلق بها، اعلنت ايران بالفم الملآن انّها تحكم لبنان وان لا شريك لها في ذلك كما الحال في سوريا حيث الوجود العسكري والسياسي الروسي. هذا هو المغزى من اطلاق ميشال سماحه الذي عاد الى منزله في ساحة ساسين، في الأشرفيه معقل بشير الجميّل، بحماية الطرف الذي كان وراء اخراجه من خلف القضبان.

باطلاق ميشال سماحه، هناك مرحلة سياسية جديدة مختلفة كلّيا في لبنان. كان لافتا ان قوى سياسية اساسية توافقت على انتخاب سليمان فرنجيه رئيسا فشلت في حماية خيارها. ضمّت هذه القوى، الى جانب «تيّار المستقبل»، رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي والزعيم الدرزي وليد جنبلاط. تبيّن ان «حزب الله» يرفض وجود مثل هذه النواة التي يمكن ان تؤمن النصاب في مجلس النواب بما يسهل انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصا ان حزب الكتائب كان يمكن ان يشارك في هذه العملية الإنقاذية وتوفير الغطاء المسيحي المطلوب في حال توفّرت الشروط المعيّنة المطلوبة.

ما نشهده حاليا يمثّل خطوة اخرى، في غاية الخطورة، في اتجاه حلول الوصاية الإيرانية المباشرة بديلا من الوصاية السورية ـ الإيرانية التي انتهت في العام 2005 بعدما اخرج اللبنانيون القوات السورية من لبنان ردّا على اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.

كان اغتيال رفيق الحريري حلقة اساسية في الحرب على لبنان. الحرب استمرّت عبر موجة الإغتيالات التي استهدفت تطويع اللبنانيين. كانت الحرب المفتعلة صيف 2006، وكان الإعتصام وسط بيروت بغية تعطيل الحياة الإقتصادية في البلد وكانت غزوة بيروت والجبل في ايّار ـ مايو 2008. وكان اغتيال اللواء وسام الحسن بعد شهرين فقط من القبض على ميشال سماحه وافشال المخطط الذي كان يسعى الى تنفيذه في الشمال اللبناني.

ليس اطلاق ميشال سماحه سوى حلقة اخرى وليست اخيرة في مسلسل من بين حلقاته تحوّل وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الى مجرّد موظف في جهاز العلاقات الخارجية لدى «حزب الله». كان باسيل صوت ايران في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب. يشير مثل هذا التطور الى مدى عمق التغيير الذي طرأ على لبنان الذي الغى «حزب الله» حدوده الدولية مع سوريا وصار شريكا في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. هل لا يزال لبنان بلدا عربيا يستطيع الوقوف بحريّة مع المملكة العربية السعودية او ايّ دولة خليجية ساعدته ووقفت الى جانبه في الظروف الصعبة؟

في ضوء اداء باسيل في القاهرة، يمكن القول بكلّ راحة ضمير ان لبنان صار جرما يدور في الفلك الإيراني لا اكثر. تجرّأ من يعتبر وزير الخارجية على الذهاب الى ابعد ما كان يمكن ان يذهب اليه وزير الخارجية العراقي، ذي الأصول الأفغانية، الذي امتلك بعضا من حياء حال دون ذهابه بعيدا في الوقوف مع ايران ضدّ المملكة العربية السعودية والمزاج العربي العام.

من يعرف ميشال سماحه، يعرف تماما ان الرجل لا يمثّل شيئا، باستثناء انّه اداة صالحة للإستخدام تنفيذا لأغراض معيّنة. لعلّ اخطر ما في اطلاقه يكمن في الظروف التي تمّت بها العملية. فاطلاقه هو اعلان رسمي ببدء عهد الوصاية الإيرانية على لبنان ودعوة الى كلّ سنّي لبناني من اجل الإنضمام الى «داعش». اوليس النظام السوري وايران الراعيين الأساسيين لهذا التنظيم الذي يلتقي مع المشروع التوسّعي الإيراني القائم على اثارة الغرائز المذهبية في كلّ بلد عربي وفي كلّ دولة من دول المنطقة؟…