IMLebanon

جسر آخر بنته القمة المغربية ـ الخليجية

كانت القمّة الخليجية ـ المغربية التي انعقدت في الرياض بحضور الملك محمّد السادس وقادة دول كجلس التعاون الردّ العربي على كلّ المحاولات التي يبذلها اطراف معروفون يريدون النيل من وحدة الاراضي المغربية من جهة والامن الخليجي من جهة اخرى. 

الارض المغربية التي تشمل الصحراء جزء لا يتجزّأ من الامن العربي. هذا ما اكدته وتؤكده دول الخليج، على رأسها المملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان بن عبد العزيز. قرّرت دول مجلس التعاون الخليجي مدّ جسور في مختلف الاتجاهات العربية. تفعل دول الخليج ذلك انطلاقا من ادراكها لاهمّية المرحلة التي تمرّ فيها المنطقة. 

من بين هذه الجسور، ذلك الذي اقامه مجلس التعاون مع المغرب منذ العام 2012. اقيم في الوقت ذاته جسر مع الاردن ايضا نظرا الى انّ المملكتين المغربية والاردنية تكملان الامن الخليجي، في ضوء التحديات المشتركة بين الدول الثمان ذات الانظمة المتشابهة الى حدّ ما. يأتي في مقدّم هذه التحديات الارهاب بكلّ اشكاله، فضلا بالطبع عن المشروع التوسّعي الايراني.

كان مهمّا انعقاد القمّة المغربية ـ الخليجية الاولى في الرياض بحضور الملك محمّد السادس الذي يرمز الى نجاح المغرب في تقديم نموذج لدولة عصرية اعدّت نفسها لمواجهة كلّ اشكال التحديات التي تعترض الدول العربية، ان على الصعيد الداخلي او على الصعيد الاقليمي او على الصعيد الدولي.

ليس الجسر الخليجي مع المغرب سوى جسر مكمل للجسر الذي سيربط بين مصر والمملكة العربية السعودية والذي كان هناك اتفاق في شأنه في اثناء الزيارة التي قام بها الملك سلمان بن عبد العزيز لمصر اخيرا. كان ملفتا ان الامير محمد بن سلمان بن عبد العزيز وليّ عهد العهد السعودي توجّه الى عمّان قبيل مغادرة الملك سلمان للقاهرة. التقى الملك عبد الله الثاني ثم انتقل الى ابو ظبي للقاء ولي العهد فيها الشيخ محمّد بن زايد وذلك من اجل استكمال مكوّنات الاطار الذي تدور فيه التطورات في المنطقة.

كان ملفتا ايضا انعقاد القمّة المغربية ـ الخليجية في وقت وصل الرئيس باراك اوباما الى الرياض للاجتماع بدوره بالقادة الخليجيين وليقول كلاما جميلا لا ترجمة له على ارض الواقع. 

يدلّ انعقاد القمّة المغربية ـ الخليجية في هذا الظرف بالذات الى مدى استقلالية القرار العربي وعلى ان العرب الواعين قرّروا اخذ امورهم بيدهم. للعرب حسابات خاصة بهم، بغض النظر عمّا اذا كانت هذه الحسابات تلتقي مع ما تخطط له ادارة اوباما، ام لا. لعلّ الدليل الاهمّ على ذلك، الموقف الشجاع الذي اتخذه الملك سلمان ومعه كل دول مجلس التعاون من موضوع الصحراء المغربية. هناك للمرّة الاولى موقف خليجي، في بيان مشترك، لا يترك مجالا لاي شكّ بأن الصحراء مغربية وانّ النزاع في شأن الصحراء، وهو نزاع تقف خلفه الجزائر منذ العام 1975، انّما هو نزاع مفتعل.

هناك للمرّة الاولى فهم مشترك وفي العمق لنوع التحديات في المنطقة وطبيعتها. ظهر ذلك واضحا من الخطابين المتبادلين بين الملك سلمان والملك محمّد السادس الذي اكّد انّ «ما يمسّكم يمسّنا». ثمّة شعور لدى الجانبين بأنّ الوقت بات وقت الكلام الواضح والصريح، خصوصا عندما يتعرّض المغرب عبر الامين العام للامم المتحدة بان كي مون لحملة مركزة منطلقها الصحراء. يبدو بان كي مون، الذي تقترب ولايته من نهايتها، مصرّا على سدّ كل السبل الهادفة الى الانتهاء من قضية مفتعلة اسمها قضية الصحراء. يريد ان يترك ارثا لخلفه يتذكّره من خلاله. 

يتمثّل هدفه الواضح في ابقاء هذه القضية عالقة عبر تجاهل الخيار العملي الوحيد الذي اسمه خيار الحكم الذاتي الموسع الذي اقترحه المغرب والذي بات موضع تأييد ودعم من الخليجيين. هل ابقاء بؤر توتر في منطقة شمال افريقيا هدف بحدّ ذاته لبان كي مون وتصريحاته وتقاريره التي لا يمكن وصفها بالبريئة؟

ليس التصرّف الغريب للامين العام للمنظمة الدولية سوى تعبير عن رغبة في ابقاء قسم من الصحراويين المقيمين في معسكر اعتقال في الاراضي الجزائرية موضع مساومات وورقة تستخدم ضدّ المغرب لا اكثر ولا اقلّ. هذه متاجرة مكشوفة بالبؤس واليأس، بكلّ ما في كلمتي بؤس ويأس من معنى.

من يقدّم الى مجلس الامن التابع للامم المتحدة تقريرا عن الصحراء المغربية من النوع الذي قدّمه با كي مون قبل ايّام انّما يكشف وجود نيّة سيئة تجاه المغرب من جهة وتوق الى تصفية حسابات مع المملكة، التي تشكّل حاليا استثناء في كلّ منطقة شمال افريقيا من جهة اخرى.

ليس ما يشير الى ان بان كي مون استطاع منذ تولّى الامانة العامة للامم المتحدة، قبل سبع سنوات، المشاركة في حلّ اي مشكلة او حلحلة اي ازمة. كلّ ما لديه يفعله ابداء «القلق» بسبب تدهور الوضع في هذا البلد او ذاك. انّه يقف في معظم الاحيان موقفا محايدا تجاه الاحداث الكبيرة بصفة كونه مراقبا دوليا يمارس مهمّة محددة في احدى مناطق فصل القوات من هذا العالم.

لا يشبه موقف بان كي مون من الصحراء المغربية، وهو موقف رافض للاعتراف بالواقع المتمثل في ان الجزائر تقف وراء هذا النزاع، سوى مواقف باراك اوباما من قضايا الشرق الاوسط. الاثنان متفرّجان على ما يدور في المنطقة. ليس في نية الرئيس الاميركي الاقدام على ايّ خطوة تنهي مأساة الشعب السوري. يكتفي بتعداد القتلى ورسم الخطوط الحمر التي يتبيّن كلّ يوم انّه لا يرغب في رؤيتها لحظة يتجاوزها نظام بشّار الاسد وحلفاؤه.

كان هناك في كلّ وقت تنسيق بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية والمغرب. اخذ هذا التنسيق بعد القمة الاخيرة بعدا جديدا. لم يعد في الامكان تجاهل تسمية الاشياء باسمائها. لم يعد من مجال للون الرمادي. حاول المغرب كلّ ما يستطيع من اجل تسوية قضية الصحراء مع الجزائر قبل ان يكتشف ان لا فائدة من ذلك في ظل الاصرار على استخدام ما يسمّى جبهة «بوليساريو» في شن حرب استنزاف عليه. فوق ذلك، اكتشف ان هناك ما يدبّر له عن طريق الامين العام للامم المتحدة. حاولت دول الخليج العربي بدورها عمل كلّ ما من شأنه دعم الاستقرار في المنطقة الى ان اكتشفت انّها مستهدفة في ظلّ ادارة اميركية تختزل كلّ ملفّات الشرق الوسط بالملفّ النووي الايراني… حتّى عندما تتحدّث عن الارهاب والدور الايراني في دعمه.

مثلما كانت «عاصفة الحزم» في اليمن نقطة تحوّل في توجّهات دول مجلس التعاون، نجد الموقف الجديد من قضية الصحراء طيّا لصفحة من الماضي كانت فيها مراعاة كبيرة لرجل شمال افريقيا المريض، اي للجزائر التي كانت السعودية اوّل من دعمها، عبر مساعدات مباشرة، عندما تعرّضت لهزّة قوية في العام 1988.

حسم المغرب امره منذ سنوات عدّة عندما اكّد محمّد السادس المرة تلو الاخرى ان الحكم الذاتي واللامركزية الموسّعة التي تطبقها المملكة في كل اراضيها، من دون تفرقة او تمييز بين مواطن وآخر، هما اللعبة الوحيدة في المدينة. اكّد انّ الصحراء مغربية وستبقى مغربية. 

حسمت دول مجلس التعاون امرها ايضا عندما اكّدت المرّة تلو الاخرى ان لا مهادنة مع المشروع التوسّعي الايراني وادواته المعروفة. لم تترك مجالا للشكّ في جدّيتها بغض النظر عن الكلام المعسول الذي يصدر عن اوباما بين حين وآخر.

كان لا بدّ من الارتفاع الى مستوى التحديات التي تواجه المنطقة من الحيط الى الخليج. لم تكن القمّة الخليجية ـ المغربية سوى خطوة اخرى ذات اهمّية تاريخية للارتقاء بالعلاقة بين الطرفين الى مستويات جديدة تعكس استيعابا عميقا للتحولات التي تشهدها المنطقة. لم تكن مجرّد قمّة بمقدار ما كانت جسرا بين منطقتين عربيتين لديهما مصالح مشتركة كثيرة على الرغم من المسافة بينهما.