IMLebanon

آخر التمرين، الوقاحة

ما كان مفوّهو “الحزب المتسلط” قالوا لو ان تصريح قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني، عن حضور طهران في لبنان والعراق، نسب الى مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية “سي.آي.إي” جون برينان، وأُحلّت واشنطن فيه مكان العاصمة الايرانية؟

فرضية تستحق استنفار الخيال السياسي:

أولا: كان ضاربو طبول الحزب طالبوا قوى 14 آذار باتخاذ موقف واضح من “الاعتداء”.

ثانياً: كانت تهمة العمالة “نُبشت” لـ14 آذار، لأنها لم تصدر بيان إدانة.

ثالثاً: كانت كل كلمة شكر لواشنطن في بيانات 14 آذار، ولو في صدد عمليات تسليح الجيش اللبناني، حُولت الى وصمة عمالة، وتنازل عن السيادة.

رابعاً: كان تم إحياء الثلاثية الخشبية الشهيرة، وصدحت الحناجر في تبجيلها.

خامساً: كانت الحكومة وُضعت أمام أمرين: اما استقالة وزراء الثنائية الشيعية، وحليفها العوني، وإما الاحتجاج على الكلام الاميركي، وإستدعاء السفير لإبلاغه “إمتعاض” لبنان، وهو ما لن يتردد الوزير باسيل في المبادرة اليه، بلا تلكؤ، من باب الإخلاص “لـ وثيقة التفاهم”، وتعزيز مبايعة عمه للمقاومة، و”الحلول الجسدي” في الحزب.

سادساً: كانت مناسبة، لا تعوض، للتلويح بـ”السبّابة”، ولـ”يوم مجيد” جديد، لتأديب “المتهاونين” بالسيادة والاستقلال.

الحقيقة الفاقعة، أن هذا التصريح الوقح لم يصدر عن برينان، بل عمن يوصف بانه “يدير مشروع التمدد الايراني في العالم بأسره، وليس في المِنطقة العربية وحدها”. والحقيقة الفاقعة، أيضاً، أن الأمين العام الأشهر، لم يتردد، يوماً، في الاعلان أنه “جندي عند الولي الفقيه”، ينفذ ما يوجه به، “بلا عودة الى قانون أو منطق”. من دون ان يتوارد في اذهان اللبنانيين ما يميز بين هذه الحالة، ومفهوم العمالة للخارج، المتعارف عليه في كل المجتمعات.

ليس في ما قاله سليماني ما يُفجع، سوى وقاحته، ففحواه تكرار لما يشهده اللبنانيون منذ الثمانينات، من اختلاق نسب ايراني لهم، ان لم يكن لمجموعهم فلفئة منهم. وقد “دس” الحزب هذا “النسب” في أدبياته منذ “نعومة أظفاره”، حين أعلن أنه “ليس جزءا من ايران”، بل إنه “ايران في لبنان، ولبنان في ايران”. مذاك، لم يفوت فرصة لإبراز “وطنيته” الايرانية، ووظيفته في اطارها.

مع ذلك، يصرّ الحزب على وصف معارضة قتاله في سوريا، وسلاحه في الداخل، بأنها تهديد للحوار، بينما لا يرى في إشهار الهيمنة الايرانية على لبنان، أي تهديد للسيادة. كما لا يرى في الفراغ الرئاسي صلة لطهران، وتمدّدها في المنطقة.

لكن يجب الاعتراف بأن “اعلان الوصاية الايرانية”، لم يصدم الوعي العام، كما يُفترض، ربما لأن الحزب “مرّن” اللبنانيين على ولائه لطهران، حتى بات مسلّمة يفاخر بها، في زمن غيبوبة القيم الوطنية والقومية، وحلول الشعوبية والمذهبية مقياساً.