IMLebanon

رهان إيراني آخر..

فتح البدء في تنفيذ «الاتفاق النووي»، الطريق الى مرحلة جديدة من العلاقات بين طهران وواشنطن والغرب والعالم «الخارجي» في الإجمال. لكنه قبل ذلك، فتح سريعاً باباً ارادت جمهورية «ولاية الفقيه» وتريد أن يبقى مقفلاً، حتى إشعار آخر.

وذلك الباب يؤدي الى غرفة مساءلة واقعية وفعلية، ولا مهرب منها، حتى لأصحاب منطق الفتنة الذي تصفه طهران بمنطق «الدولة المؤثرة» أو المركزية، أو صاحبة اليد العليا، في المحيط العربي والاسلامي.

والمساءلة المقصودة، تنطلق من تلك المفارقة اللافتة (وكل مفارقة لافتة!) التي تقول ان ولاة الأمر في إيران لا يجدون أي حرج في إعادة خطوط التواصل مع الغرب «الشيطاني» ووصل ما انقطع على مدى العقود الثلاثة والنصف الماضية معه ومع اقتصاده وأعماله و»مناخه» السياسي والثقافي (حُكماً)، في حين يستمرّون في اعتماد منطق القطع والصدّ والتوتير والحرب والسلب مع جيرانهم في الدين والدنيا، في الجغرافيا والأنسنة، وفي المصالح والمبادئ الأولية الأكبر (في العُرف التعبوي الايراني قبل غيره) من عوارض عابرة، والأهم في المحصّلة من السياسة وأشيائها الكثيرة والغريبة والمتحولة على مدار الساعة!

والمفارقة الموازية، ان باب صالة الأفراح فُتح بدوره سريعاً من قبل ولاة الأمر الايراني. وبدأت حفلة تبادل التهاني بـ»الانجاز»! الذي مكّن ايران من «التفاهم» مع الغرب ووضعه في سياق الفتنة مع العرب! وذلك، في كل حال، يدل على حقيقة لا تزال واضحة بل وازدادت وضوحاً وفيها اكتمال إدانة إيران بتهمة حصر عدائها بالجانب العربي والاسلامي الأكثري، مهما كلّفها ذلك! أي حتى لو كلفها في سوريا، المساعدة على استدعاء الروسي اليها. وفي الخليج العربي، استدعاء اتفاق مع الاميركي. وفي المنطق والمنطقة في الاجمال، وضع السعودية في صدارة العداء بدلاً من اسرائيل باعتبارها حجر الرحى في المعسكر المعادي كله!

وليست خافية على أحد، (حتى الآن؟!) تلك التوجهات والتوجيهات الايرانية الصادرة عن أعلى مراكز القرار، التي تقول ان إيران «تراهن« فعلياً وواقعياً، على نجاحها في اعتماد سياسة خارجية مزدوجة: واحدة باتجاه الغرب والعالم تتماثل مع متطلبات العلاقة «الطبيعية« معه وتتناسق مع ضرورات السوق المفتوحة والتبادلات التجارية ومع شروط بناء الأعمال عموماً، أي التي تتطلب شطباً للأجندة «الأمنية« و«الارهابية« التي حكمت الأداء على مدى المرحلة الماضية مثلما تتطلب تنزيلاً لأولوية مواجهة «الصهاينة«! وثانية باتجاه الجانب العربي والاسلامي الأكثري تتماثل مع متطلبات «الدولة المحورية«، أو صاحبة النفوذ واليد العليا والتي تستدعي الاستمرار في العمل بالأجندة المتبعة حالياً والممتدة من اليمن الى العراق الى سوريا الى لبنان.. وتصعيد وتيرة التوتر مع دول الخليج العربي عموماً والسعودية خصوصاً.

وذلك في كل حال، ما يفسّر الادعاء الايراني بأن «الاتفاق« على الموضوع النووي وملحقاته العقابية، لا يعني ولن يعني اتفاقاً على «قضايا« خلافية أخرى مع الغرب. وأحدث مناسبة لتأكيد «صدقية» ذلك الادعاء كان بالأمس تحديداً في مناسبة العقوبات الجديدة التي اتخذتها الادارة الاميركية على خلفية التجارب الصاروخية الايرانية!

في خلاصة الأمر، ان إيران الحديثة، خرجت من كل حروبها الكبيرة، الميدانية والديبلوماسية و»النووية» خاسرة بوضوح برغم كل ضجيج «الانتصارات» الإلهية والبشرية.. والسؤال الحتمي: كم من الاثمان، ستدفع وتدفّع شعوب المنطقة معها، وقبل ان تصل الى التسليم بهزيمة رهانها على استثمار «التصالح» مع الغرب في تسعير الفتنة مع العرب والأكثرية الاسلامية؟!

.. وأي بلاء هذا؟!