IMLebanon

بوتين آخر…

المقاربة السياسية الجديدة التي اعلنها فلاديمير بوتين إزاء سوريا والتي يُرجع فيها «جوهر» المشكلة الى «وجود تناقضات داخل المجتمع السوري»، ترسّخ الاعتقاد المتنامي بأن بينه وبين «حلفائه» الايرانيين والاسديين خلافاً كبيراً واستراتيجياً ويطال المآلات الأخيرة، وان خبرية «مكافحة الارهاب» لم تعد تصلح لاخفاء ذلك الخلاف ولا لتغطيته.

بين الأمس واليوم، اكثر من فوارق الزمن وأجندة الحساب.. في ايلول من العام 2015 كان كلام بوتين متماهياً مع رأي بشار الاسد وحماته الايرانيين لجهة اعتبار كل ما يحصل في سوريا عبارة عن حرب ضد ارهابيين اصوليين داعشيين وغير داعشيين! لا اكثر ولا اقل. لا انتفاضة ولا ثورة ولا ارادة تحررية ولا من يحزنون او يفرحون. «كل من يقاتل الاسد هو ارهابي»، على ما قال زعيم الكرملين حرفياً غداة انطلاق «عاصفة السوخوي»!

وكانت تلك واحدة من اندر المواقف الدالة في التاريخ المعاصر، على مدى تحكم الرعونة بقرارات زعيم دولة تمتلك ترسانة تسليحية كافية لتدمير الكرة الارضية مئة مرة! كما الدالة يومها، على مدى انخراط صاحب القول في أجندة خاصة به وببلاده لا توجد فيها اي اشارة تصالحية ازاء الغير (في الغرب اساساً) وصولاً الى تغييب البعد الاخلاقي والانساني المتعلق بالنكبة في سوريا وشعبها، طالما ان ذلك يؤكد على تمايز مضاد مطلوب تظهيره اينما امكن. في القرم واوكرانيا كما في سوريا… وقبلها في شوارع لندن كما عند اسوار الكرملين نفسه ازاء اي شبهة معارضة روسية داخلية جدّية!

انطلاق «عاصفة السوخوي» تحت ذلك السقف السياسي السافر والفاجر دفع مجسّات الوهم عند الكثيرين الى ذراها. وأول هؤلاء، اهل المحور الايراني الاسدي، فداخوا بسكرة النار، وراحوا في دوختهم الى حد رسم سيناريوهات لا تكتفي «بتحرير» سوريا وتفطيس كل معارضي الاسد السوريين والاقليميين والدوليين، بل تذهب الى بناء خارطة دولية جديدة لا وجود فيها (بعد اليوم!) لأحادية اميركية. ولا دور للاوربيين. ولا قيامة للأتراك، ولا اهل الخليج العربي.. وصولاً الى تبليغ ميشال عون في لبنان بالاستعداد (الاضافي!) للجلوس في قصر بعبدا وتكسير كل رأس لا يعجبه!

بين ايلول 2015 وحزيران 2016 فارق يماثل ذلك الذي بين الارض والسماء!

قبل يومين قال بوتين لمقدم البرامج الشهير في محطة «سي. ان. ان» فريد زكريا، ان «جوهر الصراع في سوريا هو وجود تناقضات داخل المجتمع السوري (…) والسؤال هو حول توفير الثقة بين جميع مكونات هذا المجتمع«، وليس استعادة الاسد السيطرة التامة على الارض والحكم!

.. وذلك يدل على امور كثيرة، اولها ان راية «محاربة الارهاب» احترقت او تكاد! وثانيها ان «الحل» على الطريقة الاسدية او الايرانية مستحيل! وثالثها (اول الدروس والاصول): مصالح الدول لا تؤخذ بالمفرق وانما بالجملة وهي في المبتدأ والخبر، اكبر وأهم من ان تُحصر في جزئية هنا وهناك.. و»مصالح» روسيا تحديداً، أكبر وأهم من ان تُحصر بتخرصات الاسد وبقايا سلطته، او بطموحات «المرشد» الايراني وحروبه ومعاركه.