IMLebanon

قلق عربي من تمدد “إخواني”.. وتواصل إيراني مع حكام دمشق

 

 

مخاوف من تشكيل جديد للمنطقة بدءاً من المشهد السوري

 

مرحلة جد دقيقة وحتى خطيرة تلك التي تلفح المنطقة فاتحة اياها على تطورات متسارعة وغير محسوبة.

 

بالتأكيد أن ما حدث لم يكن متوقعا، والأكثر غرابة انه حصل دراماتيكيا منذ اقل من ثلاثة اشهر، أي منذ بدء تنفيذ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو مخططه في تغيير المنطقة من البوابة اللبنانية.

 

يشير كثيرون إلى ان هذا المخطط بدء تنفيذه في 17 ايلول الماضي، تاريخ عمليات البيجر ضد “حزب الله”، لكن شرارة الانطلاقة كانت مع اغتيال المسؤول العسكري البارز في الحزب فؤاد شكر في 30 تموز الماضي (حتى ان البعض يلفت الى ان الشرارة انطلقت مع مقتل الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في 19 أيار الماضي).

 

مهما كان تاريخ هذا الانقلاب في المنطقة، إلا ان العملية الاسرائيلية الكبرى كان محضرا لها منذ زمن وكانت تنتظر الذريعة المناسبة لفتح المنطقة على تغييرات جذرية نشهدها اليوم مع سقوط النظام السوري، وهدفها المطلق اسقاط النظام في إيران مرورا بأجنحته في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن..

 

والحال ان نتنياهو خرج كالفائز الأكبر في كل ما يجري وبات كشرطي المنطقة الذي يسير في مخططه قدما احتلالا وتدميرا للدولة السورية بعد لبنان، حتى صار يرسم الجغرافيا السورية التي باتت تحت التقسيم المقنع، مع جديد يتمثل في توسيع ضمه للأراضي تحت العنوان الأمني لا سيما الجولان الذي اكد على اسرائيليته للمرة الأخيرة، وهو التطور الأخطر منذ اتفاقية فك الاشتباك للعام 1974.

 

وبذلك يكرس نتنياهو، الذي للمناسبة صدق مع جمهور في كل وعوده منذ شنه عمليته البربرية في غزة، إسرائيل الكبرى التي سعى إليها جاهدا، هذه المرة بالمعنى الفعلي العسكري الجغرافي وليس الرسمي.

 

لكن ربطا بالعدوان الإسرائيلي فإن الواقع في سوريا اليوم ان حال الفوضى يطرح تحديات كبرى امام حكام دمشق تتعلق اولا بوحدة الأراضي السورية التي تتناتشها مناطق نفوذ كردية، حيث الثروات، وعلوية ودرزية ومنطقة الاحتلال الاسرائيلي، ثم مناطق الحكام الجدد في دمشق وحماه وحمص وحلب، وهي مناطق النفوذ التركي وحيث يواجه الزعيم الجديد، أحمد الشرع (الجولاني)، تحديا من نوع آخر قوامه السيطرة على كل الفئات المسلحة الجديدة وضبطها، وبذلك تصبح سوريا امام اسئلة جوهرية تتعلق بوحدة مجتمعها اولا ثم ببناء الدولة والامن والاستقرار ودبعا المصالحة بين أبنائها.

 

مرد الخطورة هنا ان ثمة خشية حتى ضمن متعاطفين مع النظام الجديد، من مخطط اسرائيلي لضم منطقة السويداء الدرزية إلى الجناح الإسرائيلي تحت عنوان حماية الدروز من الانتقام. في موازاة منطقة تحت السيطرة التركية شبه الكاملة شمالا من الغرب حتى الشرق، وليست “هيئة تحرير الشام” الحاكمة اليوم هي فقط المساعد في ذلك بل الجيش الوطني وفصائل تحت الإمرة التركية المباشرة والتي تتولى اليوم ضرب التنظيمات الكردية.

 

في هذه الاثناء شرع الحكام الجدد بالبناء الداخلي. وهم برعوا في تفادي سيناريو العراق حيث حُلت الأجهزة والجيش وكل ما يتعلق بنظام البعث السابق وشكل ذلك وبالا على العراقيين قبل ان يحكموا سيطرتهم على الوضع الأمني، فسمحوا باستمرار مؤسسات الدولة السورية ولم يقتربوا من مقدرات الدولة والخزان البشري للنظام السابق. واولوياتهم في هذه اللحظة المفصلية، تأمين الأمن والمؤسسات، قمع الفساد، تحسين الرواتب، العمل على عودة اللاجئين، وضمان استقرار البلاد لجلب الاستثمارات في بلد مفلس وعدم تغيير القوانين في هذه المرحلة الانتقالية التي لا يربطون الوعود بمدتها الزمنية.

 

وهم يجاهرون بنقل تجربة حكومة ادلب لكن بلبوس جديد، مدني، معتدل، يكون مقبولا من الخارج خاصة الغرب.

 

أما الموقف العربي العام، المصري والخليجي خصوصا باستثناء قطر، فهو قلق إلى حد التوجس. ويخشى ان يكون الحكم الجديد اخوانيا وحتى قاعديا وداعشيا، وثمة مخاوف من تمدد اخواني ربما من البوابة الأردنية لكي يصبح على اعتاب الخليج ما يهدد مجتمعاته ما دفع بعض الدول الخليجية ذات النفوذ في سوريا إلى تحرك استباقي لمواجهة هذا الأمر.

 

بالنسبة إلى ايران وروسيا، فإنهما شرعتا في تفاهمات مع من تولى الحكم في سوريا قبل قليل من سقوط النظام السابق، وكان ذلك بعد ان تيقنا من سقوط الرئيس السابق بشار الأسد الذي افتقد الى دعم الجهتين الأكثر تمسكا به بعد ان صار واضحا ان الجيش السوري، المنهك منذ العام 2011، لن يصمد، وان سيطرة الأسد عليه تهتز. وقد نجح الأمر عبر تحييد الإيرانيين والشيعة والمزارات في سوريا قدر الامكان عن الانتقام، وكذلك الامر بالنسبة إلى القواعد العسكرية الروسية.

 

وفي المحور الإيراني من يطرح ان يكون “الإخوان المسلمون” في طليعة محور المقاومة، كون حركة “حماس” اخوانية، على ان يقبل الآخرون بما تقبله “حماس” في فلسطين وبما يخفف الحمل عن ايران و”حزب الله” بعد الضربات التي وجهت إليهم.

 

إنها باختصار مرحلة فوضى غامضة المآلات، وسيحمل كل يوم جديدا مع تسارع الامور. والأولوية اللبنانية تتمثل في منع تسرب تلك الفوضى إليه. ويبدو ان القرار الدولي والإقليمي هو بتحييده، حتى الآن، عن تلك التطورات الدراماتيكية وبضمان استقراره وفق معايير جديدة بعد ان تم التوصل إلى قرار وقف اطلاق النار.

 

لكن يبقى التحدي في أن يحيّد لبنان نفسه عن الوجه الجديد للمنطقة والذي يخشى البعض أن يشكل سايكس – بيكو آخر..