Site icon IMLebanon

«سنة فظيعة» أخرى في بريطانيا

في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 1992، ألقت الملكة إليزابيث الثانية خطاباً لمناسبة الذكرى الأربعين لجلوسها على العرش، استخدمت فيه عبارة «السنة الفظيعة» (انوس هوريبيليس)، في إشارة الى سلسلة أحداث وقعت ذلك العام. كانت الملكة سبّاقة في استعادة تلك العبارة اللاتينية من أدبيات الكنيسة الأنغليكانية في القرن الثامن عشر، وهي عبارة مناقضة لـ «انوس ميرابيليس» المستخدمة في الأدب الإنكليزي للإشارة الى سنة رائعة.

تلك السنة التي أكدت ملكة بريطانيا أنها لن تحمل لها أي ذكريات ممتعة، شهدت سلسلة أحداث غير سارة أحصتها الصحف البريطانية آنذاك كالآتي: الإعلان عن طلاق النجل الثاني للملكة الأمير أندرو من سارة فيرغسون، وطلاق الأميرة آن، الابنة الوحيدة للملكة، من الكابتن مارك فيليب، إضافة الى كشف الصحف البريطانية للمرة الأولى، تفاصيل الزواج غير السعيد للأميرة ديانا وولي العهد الأمير تشارلز وعلاقة الأخير بكاميلا باركر بولز، عشيقته آنذاك وزوجته حالياً، الأمر الذي تطور الى إعلان رئيس الحكومة في حينه جون ميجور رسمياً، عزم تشارلز وديانا على الطلاق.

وكان لا بد أن تكتمل المصاعب في «قصر باكينغهام» تلك السنة، إذ تصدرت الصفحة الأولى لـ»ديلي ميرور»، صورة فاضحة لسارة فيرغسون التي كانت تحمل لقب «دوقة يورك» وعشيقها جون بريان وهما في وضع غير لائق. وبلغت الفظائع ذروتها بالنسبة الى الملكة، بحريق أتى على جزء كبير من «قصر ويندسور» حيث تمضي معظم إجازاتها مع أفراد عائلتها.

بعد نحو ربع قرن، تجد إليزابيث الثانية نفسها في خضم سلسلة مآس تعيد تلك السنة الرهيبة الى الأذهان. وفي خطاب لمناسبة عيد ميلادها التسعين، السبت الماضي، بدت كأنها تستعيد أحد الامتحانات القاسية في حياتها، إذ اعترفت بأن «من الصعب تجاهل حال الكآبة العامة في الأمة»، بعدما شهدته البلاد من «تعاقب لمآس فظيعة» هذا العام.

وباعتبار أن كثيراً من الأمور المدهشة يتمخض عن المآسي، فإنه لم يفت الملكة ذكر أمر لم يكن موضع مفاجأة بالنسبة إليها ولا الى كثيرين في بريطانيا والخارج، ألا وهو ما عبرت عنه من «ميل الناس الى تقديم المواساة والدعم للمحتاجين»، في إشارة الى قدر كبير من الإنسانية والتعاطف تجلّيا لدى الجمهور بعد كارثة البرج السكني التي لم يعرف بعد عدد ضحاياها، على رغم مرور أيام على الحادث الذي وقع الأربعاء الماضي.

كان لافتاً أن صحفاً بريطانية لم تتوانَ عن وصف إليزابيث الثانية بـ»ملكة القلوب»، وهو لقب كان حكراً على ديانا أميرة ويلز الراحلة، وذلك بعدما استجمعت المرأة التسعينية قواها ونزلت لمواساة مشردي البرج الغاضبين الذين استقبلوها بالتصفيق متناسين مأساتهم، على عكس احتجاجات واجهوا بها معظم المسؤولين في البلاد.

صحيح أن الملكة في خطابها السبت، لم تشأ إضفاء تصنيف على هذه السنة التي تمر فيها بريطانيا، ربما عملاً بمقولة «رب يوم بكيت فيه ولما صرت في غيره بكيت عليه»، واكتفت بتحدّي الصعاب قائلة، أن «المملكة المتحدة صمدت في وجه المحنة عندما تعرضت لاختبار»، ولفتت الى أنه «كما نحن موحدون في حزننا فنحن عازمون بالقدر ذاته من دون خوف أو فضل على دعم كل من يعيدون بناء حياتهم التي تأثرت بفظاعة بالإصابة أو الفقد».

غير أن لا مبالغة عملياً في استعادة الحديث عن سنة رهيبة أخرى، نظراً الى مسلسل الاعتداءات الإرهابية، وأزمة سياسية ناجمة عن ذيول قرار الطلاق مع الاتحاد الأوروبي، إضافة الى حريق البرج السكني وتفاعلاته المحتملة.