IMLebanon

درس تركي آخر

 

هل صار خبراً استثنائياً يستحق المتابعة، تجاهل وجود أو حضور أو «سيادة» بقايا السلطة الأسدية من قبل فريق أو طرف محلي أو خارجي، أو دولة قريبة أو بعيدة؟ وهل صار خبراً يستحق الالتفات إليه، أو النظر في معانيه وأبعاده، أن تُصدر بقايا تلك السلطة بيانات استنكار أو إدانة أو رفض لأي عمل عسكري يطال الداخل السوري من قبل جهات غير سورية؟ وهل يصدق أحد، ان تلك البقايا لا تزال قادرة على ترجمة حبر بياناتها على الأرض أو في السماء، إزاء أي «عدوان» خارجي؟ طالما انها استنزفت كل مخازنها وجلّ مواردها السلاحية والمالية وعلى مدى السنوات الأربع الماضيات ضد أهل سوريا وعمرانها وبناها ومؤسساتها؟ وطالما انها وفيّة ومخلصة لمبدأ أصيل حكم وجودها وتحكّم به، منذ بداياتها الأولى: الاستئساد على الأضعف منها وتجنّب مواجهة الأقوى؟ ثم المناورة بين هذين الحدّين حتى قيام الساعة!

ردّ الفعل الذي أصدرته بقايا تلك السلطة التي يقودها الرئيس السابق بشار الأسد، على العملية التركية لنقل رفات سليمان شاه، يشبه ردودها السابقة على الاعتداءات الاسرائيلية: كلام طيّار، لم يعد يؤدي حتى وظيفته الانشائية والتعبوية. وتأثيره الميداني يساوي الصّفر! وفي بعض الروايات الأخرى: ما دون الصفر!

لكن العملية التركية تدلّ على أمر آخر بالغ الدلالة: كان يمكن أنقرة أن تستخدم ضريح أحد أكبر رموزها التاريخيين، كي تمارس أي سياسة تدخلية مباشرة في النكبة السورية، وتحت ذريعة حمايته من التدمير أو الاعتداء. لكنها آثرت أن تفعل العكس تماماً: حرصها على رموزها لم يدفعها الى التورّط الانتحاري، مثلما لم يدفعها الى استغلال المعطى القومي المقدّس لتبرير اي شيء.. آثرت إطفاء الفتيل قبل أن يشتعل، وسحب الموقع المهدد قبل أن تقع الواقعة، ويسحبها هو الى اتون لا تريده.

أي ان الدرس التركي يقول، انه بغضّ النظر عن السياسة والمصالح الكبرى، هناك حدود للمناورات لا يمكن تخطيها. وهناك اعتبارات ثابتة تمسّ الوجدان العام، التاريخي والدائم، لا يمكن موازاتها بالسياسات العابرة والمتحوّلة. ولا يمكن انزالها من مرتبتها (خصوصاً إذا كانت تُعتبر مقدّسة!) الى حد اعتبارها مجرّد سلاح يُستخدم كغيره في حرب ذات أبعاد سياسية وآنية.. وظالمة!

تركيا المحترمة أبقت رموزها في التاريخ وأخرجتها من لعبة السياسة والمصالح والجغرافيا.. غيرها فعل ويفعل العكس تماماً: لم يتورّع عن توظيف أي معطى، بما فيه «المراقد المقدسة»، وبما فيه النَفَس المذهبي ذاته، في سياق جموحه التسلطي الغريب!

أداء تركي رفيع المستوى ويستحق تأدية تحية الاحترام له!