Site icon IMLebanon

«أنصار الله» و«أنصار الشريعة».. واليمن المذبوح!

لن يكون في وسع الحوثيين الذين اقتحموا صنعاء وصادروا الدولة اليمنية أو ما تبقى منها، الاسترخاء والركون والاستمتاع بتخزين القات، لأنهم سيمضغون النار في ذلك البلد الذي صُنع من البارود وكُتب تاريخه بالدماء، والذي سرعان ما سينزلق إلى حرب أهلية على خلفيات مذهبية بغيضة تتداخل فيها الشراسة القبلية بالحسابات المناطقية، وهو ما سيرسم خريطة طريق لصراع مديد قد ينتهي بالتقسيم!

المبعوث الأممي جمال بنعمر يقول، إن الوضع خطير ويقف على شفير حرب شنيعة، وإن ما أدى إلى هذا هو اختيار جماعة «أنصار الله» المدعومة من إيران وأطراف أخرى داخلية، العنف وسيلة سياسية مستغلّين ضعف الدولة وتفكك الجيش، أضف إلى ذلك الدور الانتقامي الذي لعبته جماعة نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح التي تحالفت مع الحوثيين ويسّرت لهم دخول العاصمة.

لكن السحر سينقلب على الساحر، فعلي عبد الله صالح وجماعته الذين سهّلوا للحوثيين اجتياح صنعاء، قدموا بهذا عرضهم الأخير في سياسة «الرقص على رؤوس الأفاعي» التي طالما أتقنها صالح لاعبًا على التناقضات، باعتبار أن الأمور تتجه سريعًا إلى صدام بينه وبين الحوثيين، فبعد أقل من أسبوع على اجتياح العاصمة بدأ يتحدث عن سقوط وشيك لحلفائه للحوثيين جراء الأعمال التي رافقت سيطرتهم من سلب ونهب لمكتسبات الدولة والمواطنين.

لكن إذا كان صالح يرى أن «السياسة الحوثية لا تختلف عن سياسة (الإخوان)، وأنهم لا يعرفون الحكم، وأنهم على انقسام داخلي»، فإن حساباتهم تفرض عليهم على ما يبدو الاستعجال في فتح ملف صالح لإقصائه نهائيًا، وخصوصًا أنه كان قد خاض معهم ست حروب بين عامي 2004 و2010، بحيث يستتب لهم الأمر بعدما حققوا انتصارًا على أبرز خصومهم زعماء قبيلة حاشد من آل الأحمر، وتحديدًا علي محسن الأحمر، إضافة إلى جماعة الإخوان المسلمين وزعيمهم عبد المجيد الزنداني.

في هذا السياق، تنقل مواقع إعلامية إلكترونية عن القائد الميداني الحوثي أبو علي الحاكم الذي قاد اجتياح عمران قوله: «يعتقد علي عبد الله صالح أن ألاعيبه ستنطلي على (أنصار الله) وفي ظنه أنه سيعود حاكمًا، لكن مكره لن يمرّ، فنحن له بالمرصاد». ومن خلال هذا يبدو أن التحالف الظرفي بين صالح وجماعته، والذي سهّل على الحوثيين اجتياح صنعاء، قد انتهى وسيتحوّل إلى صراع في أسرع وقت.

في غضون ذلك، دخل تنظيم القاعدة في حرب مفتوحة ضد هيمنة الحوثيين رافعًا شعارات تؤجج المشاعر المذهبية الملتهبة في الإقليم عبر القول إنه يدافع عن السنّة في اليمن في وجه الهجمة الشيعية التي تدعمها إيران، ومثل هذه الطروحات في بلد مثل اليمن تلهب المشاعر وتشعل الغضب القبلي، وقد كان من الملاحظ، أن «أنصار الشريعة» من تنظيم «القاعدة» نفذوا يوم الأحد الماضي 3 عمليات تفجيرية ضد الحوثيين في مأرب والبيضاء وتعز.

تصريحات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي عشية الاجتياح الحوثي وضعت كثيرًا من النقاط على حروف التدخل الإيراني، حيث قال: «إن هناك دولة إقليمية تريد أن تُحدث الفوضى في صنعاء وإحراقها مثلما فعلت في دمشق وبغداد»، وبدوره لم يتوانَ المبعوث الأممي جمال بنعمر عن وصف الأحداث الدراماتيكية التي اجتاحت اليمن بأنها تهدد بانهيار الدولة وتقويض العملية السلمية، لكن الحوثيين الذين احتفلوا بما سموه «يوم النصر» يعرفون ضمنًا أنهم يندفعون إلى صراع طويل في بلد يملك أكثر من 60 مليون قطعة سلاح بمعدل 3 قطع لكل مواطن، إضافة طبعًا إلى الخناجر التي تتوسطهم!

رغم هذا يحاول عبد الملك الحوثي إعطاء صورة تصالحية على المستويين الداخلي والإقليمي عندما يعلن أنه ينشد بناء علاقات حسنة وطيبة في الداخل ومع محيطه العربي والإسلامي وأنه يحترم الروابط التي تجمع الشعب اليمني بالدول العربية والإسلامية وفي المقدمة دول الجوار، ولكن المواقف التي صدرت في طهران عشية اجتياح الحوثيين العاصمة اليمنية تناقض كلامه كليًا؛ ذلك أن صحيفة «كيهان» الرسمية التي يملكها المرشد العام علي خامنئي، لم تتردد في تحليلها للتطورات اليمنية في القول إنه «بعد اليمن ونجاح الثورة الإسلامية في صنعاء سوف يكون الدور المقبل (التمدد)»، التي شنّت الصحيفة هجومًا لاذعًا عليها، لافتة إلى أنه لا يحق لها أن تعتبر اليمن حليفًا استراتيجيًا لها، وأن «الثورة اليمنية العظيمة تمضي قدمًا ولا يمكن أي طرف أن يقوم بوقفها»، لكن كان من الواضح أن الاندفاعة الإيرانية المتهورة عبر الحوثيين، ليست أكثر من محاولة استباقية ليقين طهران بحتمية خسارتها سوريا وبخروج العراق ولو نسبيًا من ظلّها، هذا في حين تتقدم السعودية لتلعب دورًا محوريًا إقليميًا ودوليًا في مواجهة «داعش» والإرهابيين، وفي حين تعلن دول مجلس التعاون الخليجي أن أمن اليمن من أمنها كلٌ لا يتجزأ.

طبعًا ينطوي كلام «كيهان» على إغراق في الأوهام، ليس فيما يتصل بالسعودية التي تعرف كيف تواجه أي اعتداء عليها، وقد سبق للحوثيين أن نالوا ما يستحقون من هزيمة عندما حاولوا التحرك على حدود المملكة، ولكن بالنسبة إلى الإيرانيين الذين يقفزون فوق تاريخ اليمن، الذي تكسّرت عليه حسابات ورهانات، لعل أبرزها حسابات جمال عبد الناصر الذي أرسل عام 1961 أكثر من 75 ألف جندي، فخسر نصفهم، وقبله حصد البريطانيون والعثمانيون فشلا ذريعا في السيطرة على اليمن وتثبيت حكمهم فيه.

وبغض النظر عن حتمية الاشتباك المقبل بين الحوثيين وخصومهم، وهو ما سيشرّع الأبواب على حرب مذهبية وقبلية وجهوية، لن يكون في وسع الحوثيين ورعاتهم الإيرانيين استجابة الحد الأدنى من متطلبات الحكم وأقلّها دفع رواتب الموظفين وتأمين الدورة الاقتصادية في دولة شبه فاشلة تتطلب ما يقرب من 10 مليارات دولار في السنة.

لم يحتل الحوثيون صنعاء، بل قضموا جرعة من المشكلات التي لن يتمكنوا من هضمها، ولهذا لن يكون في وسعهم أن يحكموا اليمن، ومن المرجح أن الجنوب سيذهب سريعًا إلى الانفصال على يد الإسلاميين، في حين أن المناطق السنية ستكون مرتعًا لـ«القاعدة» و«الدواعش» ردًا على إيران وشيعية الحوثيين، وهذا يعني أن اليمن سينزلق سريعًا إلى سلسلة من الحروب التي ستفتح جرحًا جديدًا وعميقًا في بلد يمضغ الثأر بمتعة مضغ القات.