تصعب قراءة النتائج المتوقعة من «قمة العشرين» التي التأمت، أمس، في المدينة الأنيقة التي كانت بيزنطية فصارت تركية، أنطاليا.
اختصرت القمة التي شارك فيها كبار من قادة العالم «العرب» بشاهد ملك: سلمان بن عبد العزيز يحيط به نجله وولي عهده الشرس محمد بن سلمان ووزير خارجيته الفصيح عادل الجبير.
أحاط بالقمة مناخ دموي شاركت في تكثيفه المذابح الجماعية التي نظمها ونفذها إرهابيو «داعش» في عاصمة العطر باريس والتي أودت بحياة نحو مئة وأربعين رجلاً وامرأة، وقبلها مباشرة في برج البراجنة الضاحية ـ الضحية جنوب بيروت، التي ذهب ضحيتها حوالي الخمسين من الفتية الذين توزعوا في المسافة بين المسجد والمقهى لحضور مباراة في كرة القدم… من دون أن ننسى المئتين والعشرين ضحية في تفجير الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء، قرب مدينة العريش… هذا ما عدا من سقط في مختلف أنحاء العراق وسوريا واليمن وليبيا وأعدادهم بالآلاف.. من دون أن ننسى المذابح الإسرائيلية المنظمة ضد الفتية والفتيات في فلسطين التي يتبدى شعبها جميعاً وكأنه منذور للشهادة.
«الإرهاب» هو موضوع جانبي في القمة التي جاءت، بتوقيتها، تزكية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي عزز موقعه بالانتخابات المكررة مرتين خلال مئة يوم، والتي غطت على حقيقة أنه وفّر لـ «داعش» المقر والممر إلى سوريا والعراق، أقله على امتداد السنتين الماضيتين.
يختلط في صفوف القادة المؤتمرين المسؤولون عن الدماء المسفوحة ظلماً وعدواناً، سواء من موقع الراعي أو المموّل أو الحامي أو المدافع عن «الإرهابيين»، فضلاً عن مضيفهم، قبل أن ينقلبوا على «الدواعش» ويتبرأوا منهم ثلاثاً ويرسلوا طائراتهم الحربية لتقصف رمال الصحراء، إلى أن حل الطيران الروسي فإذا بالنتائج تختلف جذرياً، وإذا الإرهاب يخسر معظم المناطق التي احتلها في سوريا وجعلها منصات لإطلاق صواريخه تمهيداً لتقدم مقاتليه نحو أهدافهم الاستراتيجية في بلاد الرافدين والشام.. وصولاً إلى لبنان بعنوان الضاحية الجنوبية لبيروت النوارة.
هل من المبالغة الافتراض أن الدول العربية الغائبة عن هذه القمة المذهّبة وإن تمثل حضورها الشاحب بالملك السعودي، ستكون موضوعاً أساسياً بين «الكبار» فيها، وإن لم يذكرها جدول أعمالها، صراحة؟!
أم أن المدينة الأنيقة، انطاليا، لا تتسع لبحيرات الدماء العربية المهدورة في المجازر الجماعية لـ «داعش» كما في مذابح الطوائف مدفوعة الأجر، في أكثر من بلد عربي والتي تساهم في طمس القضية المقدسة، فلسطين، وتصوّر العرب قبائل همجية وافدة من الجاهلية، لا يستحقون دولاً لم يعرفوا كيف يحافظون عليها فضلاً عن أن يتقدموا بها للانخراط في مسيرة التقدم للانتماء إلى العصر بجدارة إنسانها الأرقى بما لا يُقاس من الأنظمة التي تحكمه وتتحكّم به.
& & &
… وها نحن نكتب بدماء الفتية الذين كانوا في المقهى الفقير في عين السكة، أو في المسجد القريب أو في الطريق منه أو إليه، والذين اغتالهم الداعشيون باسم الدين الحنيف، والذين أمكن التعرف على بعض شبكاتهم محترفة القتل الجماعي، فأكدت كفاءة الأجهزة الأمنية وقدراتها.
نكتب بدموع الأمهات والآباء الذين غادرهم أبناؤهم من دون وداع، والذين ثبتوا في مواقعهم في الأرض التي غدت مقدسة بعدما طهرتها دماء الشهداء.
نكتب بحبر إرادة الحياة في الضاحية ـ الضحية، مرة أخرى، والتي تبقى «نوارة» لتوهجها بدماء الشهداء، والتي يحاولون عبثاً اغتيال روح المقاومة فيها، فلا تزداد إلا شموخاً وصموداً: تودع شهداءها، رجالاً وفتياناً ونساءً رووا الأرض بدمائهم الطاهرة فأكسبوها قداسة استثنائية.
نكتب لنؤكد أننا أقوى من السفاحين، حتى لو كنا بلا رئيس للجمهورية، وبحكومة عرجاء لا تجتمع إلا ليختلف وزراؤها تاركين رئيسها أمام مسؤولياته: فإن هو ضاق ذرعاً بالمناورات الرخيصة و «خرج إلى الحرية» مغلقاً الباب وراءه خاف على البلاد من الفتنة التي تكاد تغتال الشعوب الشقيقة في «دول الجوار».. وإن قرّر الاستمرار كان عليه الصبر وتأكيد قدرته على الصمود في وجه الفراغ.
.. ولنؤكد أننا أقوى من الفتنة حتى لو كان المجلس النيابي معطلاً عن أداء واجبه الطبيعي في التشريع والرقابة، لا يفتح أبوابه إلا مرة في السنة بالخوف على «الليرة» وخجلاً من «الدول» التي ضاقت ذرعاً بهؤلاء اللبنانيين الذين يكرهون «الدولة» ويفضلون عليها «الفراغ»، بشرط أن يبقى المطار مفتوحاً حتى لا يسجنهم «حب الوطن» بقوة الأمر الواقع.
نكتب لنقول إننا أقوياء بأرضنا التي حررتها دماء المجاهدين من الشهداء والتي نحميها بأرواحنا، ولن تكون «داعش» أقوى من إسرائيل التي قاتلناها سنوات حتى أجليناها بالإيمان بقداسة الأرض قبل السلاح وبعده.
ولسوف ننتصر على أعداء الشمس الآتين من الجاهلية والعائدين إليها، بقوة دماء الشهداء وتمسك اللبنانيين بأرضهم في هذا الوطن الصغير الذي أكد أهله عشقهم للحياة فيه وبه.. حتى قيام الساعة!
وليقرّر أهل القمة في انطاليا ما شاؤوا فهذا هو قرارنا اليوم وغداً وكل يوم.