شيئاً فشيئاً يرتفع سقف مواقف المسؤولين الروس تجاه النهج الذي تعتمده الولايات المتحدة الأميركية في علاقتها مع روسيا، الأمر الذي يؤكّد أنّ الجولة الثانية من الحرب الباردة قد بدأت بين القطبَين الدوليين.
ركّزَت وسائل الإعلام الروسية المرئية والمسموعة والمكتوبة خلال اليومين الماضيين اهتمامَها على سلسلة مواقف أطلقَها رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس النواب الروسي («الدوما») ألكسي بوشكوف الذي يُعتبَر من أكثر السياسيين الروس انتقاداً للسياسات الغربية تجاه بلاده. فالرجل يمثّل، وفق مراقبين، صقورَ السياسة الروسية الأكثر حماسةً لعودة روسيا كقوّة عظمى إلى ساحة السياسة الدولية.
كالَ بوشكوف في تصريحاته الأخيرة سيلاً من الاتّهامات للغرب، وخصوصاً ما يتعلق بمحاولاته تغييرَ السلطة في روسيا. ويؤكّد السياسي الروسي رصدَ ثلاثة سيناريوهات تتبعها واشنطن وحلفاؤها للتأثير على الحياة السياسية في البلاد.
أوّلها ضخُّ مساعدات ماليّة بالتزامن مع دعم سياسي من خلال النصائح لبعض قوى المعارضة الروسية لتنظيم اعتصام في ساحة «بالوتنيايا» وسط موسكو، وذلك على غرار اعتصام «ميدان» كييف في أوكرانيا الذي أدّى إلى الانقلاب على سلطة فيكتور يانوكوفيتش.
وتلحَظ أيضاً محاولات الدفع بمزاج جيل الشباب الروسي وثقافته في اتّجاه شعارات الديموقراطية الأميركية، ويتولّى تنفيذ هذه الخطة الملياردير الروسي ميخائيل خودوركوفسكي الذي لجَأ إلى الغرب بعد فضائح الفساد التي طاوَلته في روسيا.
أمّا السيناريو الثالث، بحسب بوشكوف، فتنفّذه الإدارة الأميركية مباشرةً، وهو الضغط على حلفائها لتبَنّي مزيد من العقوبات تجاه روسيا، إيماناً منها بأنّ ذلك سيؤدي إلى انهيار الاقتصاد الروسي، وبالتالي سيدفع بالبلاد إلى حالٍ من الفوضى العارمة ستؤدّي في المحصّلة الى إسقاط الرئيس فلاديمير بوتين.
ويؤكّد بوشكوف في تصريحاته المتتالية أنّ العلاقات بين بلاده والولايات المتحدة تمرّ بأزمة ثقة، وأنّها لن تتحسّن مستقبَلاً، أقلّه في السنوات الخمس المقبلة، في اعتبار أنّ المؤشّرات تدلّ إلى أنّ التيار الراديكالي في الحزب الجمهوري سيتربَّع على عرش البيت الأبيض في الانتخابات الأميركية المقبلة.
ويدعو بوشكوف دوائرَ السياسة الغربية إلى إعادة قراءَة مواقفها وعلاقتها مع روسيا، لأنّه على رغم المحاولات اليائسة التي تنفَّذ ضدّ الكرملين فإنّ شعبية بوتين في تزايد مستمرّ داخلياً وعلى المستوى الخارجي أيضاً، إذ إنّ روسيا بقيادته أعادَت التوازن إلى مسرح السياسة الدولية وأنهَت عصرَ القطب الواحد والهيمنة الأميركية على العالم.
إلى ذلك لم تسلَم أوروبا من انتقادات بوشكوف، إذ أعلنَ أخيراً أنّ حرمان موسكو من حقّ التصويت في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا قد تمّ بضغوط دوَل معادية لروسيا. ولم يتوانَ بوشكوف عن تحديد هذه الدوَل، فاعتبَر أنّ جورجيا وبولندا والسويد وليتوانيا ولاتفيا وأستونيا وبريطانيا لا تتوقف عن تأجيج النزاع بين أوروبا وروسيا.
بوشكوف الذي يترَأس وفد بلاده في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا لوَّحَ بإمكان أن توقِفَ روسيا عمَلها في الجمعية في حال حرمانها من صلاحياتها الأساسية؛ وهي حقّ التصويت والمشاركة في أجهزتها الإدارية.