سقط المواطن اللبناني أنطوان الحايك في بلدته المية والمية برصاص الغدر بعد صفقة تحرير آمر سجن الخيام عامر الفاخوري المشبوهة، وطرحت أسئلة عدّة عن الهدف من عملية الإغتيال والنتائج المترتبة عليها.
بعد هذه العملية التي وصفها أهل المية المية بـ”القتل غدراً”، تُطرح علامات إستفهام عدّة حول استضعاف المكوّن المسيحي في الجنوب ومحاولة إلصاق تهم العمالة به دائماً، فالقاصي والداني يعلم جيداً أن جيش لبنان الجنوبي، أو ما عُرف لاحقاً بجيش “لحد”، كان قائده مسيحياً، لكن أكثر من 60 في المئة من عناصره كانوا مسلمين وغالبيتهم شيعة، كما أن شريحة واسعة من أبناء الجنوب وتحديداً البلدات والمدن الشيعية إستفادت من الإحتلال الإسرائيلي ليس من خلال الإلتحاق بـ”لحد” فحسب، بل من خلال العمل في إسرائيل وقبض رواتب عالية. أنطوان الحايك كان من بين شباب الجنوب الذين تركتهم الدولة فريسة السلاح الفلسطيني غير الشرعي واضطروا إلى العمل مع جيش “لحد” من أجل تأمين “قوتهم” اليومي، لكنه عاد إلى كنف الدولة والتحق بقوى الأمن الداخلي عندما سمحت الظروف بذلك وترقى في السلك العسكري، وتمت تبرئته من التهم التي وجّهت إليه وقال القضاء كلمته في الموضوع.
وتُطرح اليوم مسألة إستفراد المكوّن المسيحي في الجنوب، فمن هرّب الفاخوري من السجن لم ير مجالاً للتغطية على فعلته إلا باستهداف الحايك من أجل امتصاص الغضب الشعبي، وكأن لعبة الثأر والثأر المضاد عادت لتدور في أرجاء الجنوب من دون قيام أي اعتبار للدولة وكأن شريعة الغاب هي التي تحكم. وتقف أجهزة الدولة اليوم أمام استحقاق جدّي ومهمّ وهو القبض على قتلة الحايك وكشف كل ملابسات الجريمة وذلك حقناً للدماء، لأن الإحتقان بلغ ذروته في بلدة المية ومية وبقية القرى المسيحية التي ترى أنها باتت مكسر عصا لمشاريع أكبر. ويستغرب بعض أبناء البلدة كيف تمّ تحضير الجوّ الإعلامي لعملية إغتيال الحايك، وهو ليس شخصية عامة وقدّ تمّ استحضار اسمه لتقديمه “كبش محرقة” بعد قضية الفاخوري وارتباكهم وعدم قدرتهم على التبرير. واللافت أيضاً حسب البعض أن أحد الوزراء السابقين كان يتحدّث عن الحايك مباشرةً على الهواء قبل أن تُبلغه المذيعة أنه تمّ اغتياله، فهلّل لجريمة القتل قائلاً: “بشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين”.
راعي أبرشية صيدا ودير القمر المطران الياس حدّاد يرى في هذه الجريمة عملاً جباناً، ويسأل عبر “نداء الوطن”: هل الردّ على عملية إطلاق سراح الفاخوري يكون بقتل مواطن آمن كان مأموراً وليس آمراً في تلك الفترة واضطر للعمل من أجل تأمين خبزه اليومي؟”، معتبراً أن “هذا العمل غير مقبول ويدل على أن شريعة الغاب هي التي تحكم، ولا نرضى بها لأننا لسنا مكسر عصا لأحد”. ويؤكّد أن “من يلعب هذه اللعبة يهدف إلى جرّ الجنوب إلى فتنة طائفية بين المسيحيين والشيعة، ويريد أن يؤسس لعملية الثأر والقتل، والقتل المضاد، وكأنه لا يقيم أي اعتبار لوجود الدولة”.
ويلفت حدّاد إلى أنّ “القوى الموجودة في الجنوب تتصرّف وكأنّ المسيحيين أقلية ويمكننا أن نستفرد بهم، وعندما نريد ان ننفّس غضباً ما نستهدفهم، فمن أعطى الحقّ باستهداف وتنفيذ عملية قتل في بلدة المية ومية الآمنة والتي لا تؤذي أحداً؟”.
ويُحذّر حداد من “خطورة ما اقترفت أيدي البعض في هذه الجريمة البشعة”، مضيفاً: “صحيح أن المسيحيين في الجنوب أقلية لكن فاتهم أن لهم امتداداً في جبل لبنان والشمال والبقاع، فإذا فُتحت اللعبة على مصراعيها، فإن هذا الأمر سيسبب حمام دم لا نريده، وعلى القوى الشيعية الموجودة جنوباً أن تتداركه ولا تنجر إلى الفتنة لأن جريمة الحايك منافية لكل الأخلاقيات والتعاليم الدينية الإسلامية والمسيحية”.
ويغضب المطران من محاولة إلصاق تهمة العمالة بالمسيحيين، ويشير إلى ان قائد “لحد” كان مسيحياً وجميع الطوائف كانت مشاركة في هذا التنظيم، “لكن بما أننا الأقل عدداً يرمون التهم علينا”.
لم يجر حداد أي إتصال بـ”حزب الله” وحركة “أمل” لأنه يعتبر أن “الدمّ ما زال حامياً، وعندما تهدأ النفوس نتواصل ونقول لهم ماذا يجب أن يُقال”.
ولا تزال بلدة المية ومية التي عانت سابقاً من تداعيات الحرب تعيش تحت صدمة اغتيال ابنها، لكنها تراهن على كشف الحقيقة سريعاً لتطويق ذيول الموضوع، وفي السياق، يشير رئيس بلدية المية ومية رفعت بو سابا لـ”نداء الوطن” إلى أن “ملف التحقيق بات في عهدة شعبة المعلومات ونريد كشف الحقيقة سريعاً، وقد سلمنا الموضوع للقضاء لأننا لا نريد أن تتحكم بنا شريعة الغاب بل نريد أن تكون الدولة هي المرجعية”.
لا شكّ أن شيئاً ما انكسر بين أهالي المية ومية والجوار وخصوصاً مع الثنائي الشيعي، حيث أن كشف الحقيقة سيؤدي حتماً إلى تبريد الأجواء وإلا فإن كل الإحتمالات مفتوحة على مصراعيها.
وتعليقاً على جريمة الإغتيال، إعتبر رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع أن “اغتيال الحايك، هو طعنة بالصميم للدولة اللبنانية قبل أي شيء آخر، وكأن هناك من يقول لا نؤمن بهذه الدولة ولا بمؤسساتها ولا بقضائها ولا بأجهزتها الأمنية، بل نؤمن فقط بأنفسنا وبما تفعله أيدينا”. وأضاف: “إنه لمن غير المقبول إطلاقا أن يقدم فريق، وكما يبدو من معالم الجريمة بأنه منظم، على اغتيال المواطن أنطوان الحايك في وضح النهار، بالرغم من أنه كان قد خضع للقضاء اللبناني والقوانين اللبنانية على أفضل ما يكون”.