IMLebanon

رسالة شقرا إلى غوتيريش والجيش

 

 

في خضم الوضع المأسوي الذي عاينه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال زيارته لمدة ثلاثة أيام ونيف، ووسط استمرار الانسداد السياسي الذي يغلف عمل المؤسسات الدستورية، يُختتم العام الحالي بآمال شديدة التواضع لجهة قدرة اللبنانيين على بدء مسار التعافي، الذي يفترض أن يوقف التدهور الذي يلمسونه كل يوم في أوضاعهم الحياتية والمعيشية الصعبة والمزرية، بالنسبة إلى شرائح واسعة منهم سقطت في حالة الفقر الشديد.

 

غادر غوتيريش الذي تدل زيارته إلى الدور المتنامي لـ”الإدارة الدولية” لأزمة لبنان والتي أخذت تتعاظم منذ انفجار مرفأ بيروت الكارثي في 4 آب 2020، ليتلقى بعد ساعات قليلة تقريراً عن إشكال بين “الأهالي” وبين إحدى دوريات قوات “اليونيفيل” في بلدة شقرا الجنوبية، حيث جرى الاعتداء على الدورية برجم آلياتها بالحجارة وتحطيم بعض هذه الآليات، فأضيف الحادث إلى سلسلة الحوادث التي سيذكرها الأمين العام في تقريره الدوري (كل ستة أشهر والتقرير المقبل في شهر شباط الآتي)، مشيراً إلى أن الأمم المتحدة ما زالت تنتظر نتائج التحقيق في هذه الحادثة مثلما يفعل في التذكير بوجوب حصوله على نتائج التحقيقات في حوادث مماثلة سابقة.

 

“الأهالي” هو التعبير الذي يستخدمه عادة “حزب الله” في حوادث من هذا النوع مستظلاً غضب أبناء القرية من القوات الدولية، إذا حاولت معاينة مبنى معين أو أحد الأحياء للتأكد من أنه لا يحوي مستودعاً للأسلحة أو الذخائر، وللتحقيق في إخبارية ما يمكن أن تكون بلغتها حول احتمال كهذا. وسواء كانت هذه هي الحال أم لا فإن الدورية قد تكون مرت في تلك الطريق أو الحي في عمل روتيني من دون أن تكون نيتها التفتيش عن شيء محدد، فإنه يصعب استبعاد الفرضية القائلة إن “الحزب” أراد توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة والدول التي تقف وراءها، بأن مجيء المسؤول الأول فيها إلى البلد من أجل الاشتراك في الإشراف على تلك “الإدارة الدولية” للأزمة في لبنان يبقى خاضعاً لإرادة الفريق النافذ فيه، وليس للسلطة السياسية التي التقى رموزها. أي أن الرسالة تتعدى مسألة تأكيد غوتيريش في تصريحات عدة في بيروت حول حق “اليونيفيل” في أن تكون لها حرية الحركة في منطقة عملياتها، سواء كان الجيش اللبناني برفقتها أم لم يكن كما طالبها بذلك مجلس الأمن منذ سنتين، بناء لإلحاح الجانب الأميركي على ضرورة تقوية دورها في مراقبة تدفق السلاح إلى الجنوب.

 

الرسالة ليست منفصلة عن سياق الحملة التي يقودها “الحزب” ضد الدور الدولي في لبنان، ولا سيما الأميركي، بحجة أنه يسعى إلى التحريض على المقاومة من أجل إضعافها في الانتخابات النيابية المقبلة، بدعمه منظمات المجتمع المدني التي تقوم الجهات الدولية بتوزيع المساعدات إلى اللبنانيين عبرها. الهدف إبلاغ هذه الجهات أن في الجنوب “القرار لنا” في شأن حرية الحركة، والأهم أن حرية الحركة في لبنان تحت المراقبة. فـ”الحزب” يعرف أن المجتمع الدولي يدرك أن لا أعمال حربية لقواته من الجنوب في المستقبل المنظور، وأن الإدارة الدولية للبنان هدفها أن تخفف من قبضته على السلطة السياسية فيه، عبر حلفائه فيها.

 

المعروف أن دفعة جديدة من المساعدات يجري التحضير لها عبر إنشاء صندوق دعم دولي، اتفق عليه الجانبان الفرنسي والسعودي في اجتماعهما في 4 ديسمبر/ كانون الأول الجاري. ويتوقع أن تشارك الأمم المتحدة في الإشراف عليه مثلما تشرف حالياً على معظم المساعدات التي قدمتها الدول المانحة في شتى المجالات منذ 4 آب 2020. فـ”الحزب” يتبرّم منذ مدة من ذلك التعاون بين المانحين وبين الجهات الدولية، وصولاً إلى اتهام بعض الجمعيات بأنها “مجموعات السفارات”، على رغم أن الأمم المتحدة تتعاون مع بعض الجمعيات الموالية لـ”الحزب” وحركة “أمل” في الجنوب وتقدم المساعدات عبرها فتطال مناصرين للثنائي الشيعي. واجتمع غوتيريش إلى بعضها أثناء زيارته الناقورة، ما أغضب الجمعيات الأخرى المستقلة لأنها استبعدت من اللقاء.

 

الرسالة هي أيضاً للجيش اللبناني حتى لو لم يكن مرافقاً لدورية “اليونيفيل”. فالمؤسسة العسكرية أخذت تتلقى من “اليونيفيل” مساعدات شهرية من المحروقات والمواد الطبية ووجبات غذائية لـ27 ألف عسكري وضابط شهرياً، بناء لقرار مجلس الأمن الأخير في آب الماضي الذي جدد للقوات الدولية سنة جديدة. يستبق “الأهالي” بإشكال بلدة شقرا أي تساهل من الجيش مع مبدأ “حرية الحركة” لـ”اليونيفيل”.