أطفأت أنوار مولد «رحمة الله المهداة للعالمين» نيران فارس المشتعلة على مدى ألف عام، أشرقت أنوار نبيّنا وسيّدنا محمّد، أضاء وجه الأرض والسماء، طلع نجم أحمد المختار، يكره الفرس الإسلام، هكذا وبوضوح شديد كما يكرهون نبيّه، وكلّ من هو من أثَرِ الإسلام ونبيّه صلوات الله عليه والمتأمّل في تاريخ المسلمين منذ بدايته يجد أنّ هذه الكراهية قد سبقت منهم قبيل ولادة نبيّ الإسلام صلوات الله عليه، فزع موبذان الفُرس لرؤيا رآها، قام منها مضطرباً فزعاً فوضع تاجه وجلس بين كبار قومه وقال لهم: «لقد رأيت رؤيا عجيبة. فقالوا: ما هي؟، قال: «رأيت إبلا صعاباً، تقود خيلاً عُرْباً، عبرت دجلة والفرات إلى أرضنا»… وإن هو إلا حين حتى كانت ليلة ولادته ـ عليه الصلاة والسلام ـ فارتجّ إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس التي لم تخمد منذ ألف عام، وجفّ ماء بحيرة ساوى، وأرسل كسرى رجاله يسألون، فجاؤوه قائلين: «لقد ولد نبيّ العرب».
يحتفل المسلمون في أنحاء العالم الإسلامي بمولد نبيّهم صلوات الله عليه، يحتفلون بسرور عظيم، على الرّغم من الظّلم والظلمات التي تشتدّ في آفاق «إنسانيّة متوحشّة»، في غابة عظيمة لم يعد لها شريعة إلا القتل، في زمن التباس الهويّات والانتماءات والتكفير والذبح والتهديم، وبالرّغم من كلّ هذا نحتفل ونبتهج بمولد سيّد الكونين والثقليْن والفريقيْن من عرب ومن عجم، فمن رحمته بنا انه دلّنا على كلّ علامات هذه الأزمنة الغبراء، والأيام الحوالك، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «تُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ»[سنن أبي داود/ 4297، مسند أحمد/21890، مسند أبي داود الطيالسي/ 1085].
لا يحتاج العرب أساساً إلى عدواة الفرس، فهم أصلاً كفيلون بعداوة أنفسهم بأنفسهم، وكفيلون بشرذمة الشعوب المسلمة وتمزيقها وتفتيت قدراتها، هكذا وبوضوح ومن دون جميل أحد، فكيف إذا زيدت على هذه عداوة الفرس فهم قلوبهم غليظة وعقولهم أغلظ، مع جماعة الاخوان المسلمين ومنهم وعنهم نشأت كلّ فرقة أو جماعة ظلاميّة منذ الجناح العسكري لجماعة حسن البنّا مروراً بالقاعدة وأسامة بن لادن وأيمن الظواهري انتهاءً بـ»داعش»، ولن نلبث أن نراهم «يفرّخون» في دول جديدة وبأسماء جديدة.
فليموجوا بعضهم في بعض، فلا نجاة للمسلمين وسط هذه البحار المتلاطمة فيما بينها إلا أن يستعصموا بنبيّهم صلوات الله عليه، وأن يلوذوا بحماه فهو سيّد السادات وباب الحمى فالله متمّ نوره ولو كره الكافرون… وبين يدي عيد سيدنا ومولانا عليه صلوات ربي وسلامه، أقدّم بين يديه بهجتي وفرحي العظيم بأنوار مقدمه، بعضاً من القصيدة اليتيمة العصماء للسلطان عبد الحميد خان الأوّل علّ أبياتها تشفع لي عنده:
«إِنِّـي إِذَا سَامَنِي ضَيْمٌ يُرَوِّعُنِي/أَقُولُ: يَا سَيِّدَ السَّادَاتِ يَا سَنَدِي/كُنْ لِـي شَفِيعًا مِنَ الرَّحْـمَنِ مِنْ زَلَلِ/ وَامْنُنْ عَلَـيَّ بِمَـا لَا كَانَ فِي خَلَدِي/وَانْظُرْ بِعَينِ الرِّضَا لِـي دَائِمًـا أَبَدًا/وَاسْتُرْ بِفَضْلِكَ تَقْصِيرِي إِلَـى الْأَمَدِ/ وَاعْطُفْ عَلَـيَّ بِعَفْوٍ مِنْكَ يَشْمَلُنِي/ فَإِنَّنِي عَنْكَ يَا مَوْلَايَ لَـمْ أَحَدِ/إِنِّـي تَوَسَلْتُ بِالْـمُخْتَارِ أَفْضَلِ مَنْ/رَقَى السَّمَوَاتِ سِرَّ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ/رَبُّ الْـجَمَـالِ تَعَالَـى اللهُ خَالِقَهُ/فَمِثْلُهُ فِـي جَـمِيعِ الْـخَلْقِ لَـمْ أَجِدِ/ خَيْرُ الْـخَلَائِقِ أَعْلَى الْـمُرْسَلِينَ ذُرَىً/ ذُخْرَ الْأَنَامِ وَهَادِيهِمْ إِلَـى الرَّشَدِ/بِهِ الْتَجَأتُ لَعَلَّ اللهَ يَغْفِرُ لِـي/هَذَا الَّذِي هُوَ فِـي ظَنِّي وَمُعْتَقَدِي/فَمَدْحُهُ لَـمْ يَزَلْ دَأبِـي مَدَى عُمُرِي/وَحُبُّهُ عِنْدَ رَبِّ الْعَرْشِ مُسْتَنَدِي/ عَلَيْهِ أَزْكَى صَلَاةٍ لَـمْ تَزَلْ أَبَدًا/ مَعَ السَّلَامِ بِلَا حَصْرٍ وَلَا عَدَدِ/وَالْآلِ وَالصُّحْبِ أَهْلِ الْـمَجْدِ قَاطِبِةً/وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إِلَـى الْأَبَدِ».