IMLebanon

سيناريو القلق: دولٌ تهتزُّ والمخيّماتُ تُقاتِل!

 

لا يريد كثيرون- أو ربما لا يستطيعون- أن يتخيَّلوا الحدود التي يمكن أن تبلغها المواجهة السعودية – الإيرانية، إذا انطلقت فعلاً على مداها، وعلى اتّساع رقعة الشرق الأوسط، بأبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية… وحتى العسكرية.

ليس عبثياً الهدوء في موقف الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، ولا الحَذَر في موقف الرئيس ميشال عون والرئيس نبيه بري. فواضح أنّ القوى السياسية اللبنانية كلها، على طرفَي النزاع، تتهيَّب كثيراً ما يمكن أن يطرأ من تطوّرات. فهي اختبرت طويلاً مفاعيل النزاعات الإقليمية على الداخل اللبناني.

لا يقتصر القلق على الفريق الحليف لإيران، والذي فاجأه التصعيد السعودي. ففي الصف الحليف للسعودية، هناك بالتأكيد ارتياحٌ الى أن يكون العرب قد استفاقوا أخيراً إلى واقع التمدُّد الإيراني وحيازة طهران غالبية القرار في عدد من البلدان العربية. ولكن، في داخل هذا الصف، هناك همسٌ حول سيناريوهات المواجهة: هل هي محسوبة جيِّداً، وما انعكاسها على «لبنان الضعيف»، وفق تسمية النائب وليد جنبلاط؟

هناك حسابات يجري الحديث عنها بين الجدران الأربعة. ومن المرّات النادرة، هناك تقاطع بين حلفاء إيران وحلفاء السعودية على استهابة الموقف. ويشعر الـ14 آذاريون بارتياح إلى دعم أميركي – سعودي، وشبه إجماع عربي، على التصدّي لمساعي طهران إلى احتكار النفوذ في لبنان. ولكن: كيف السبيل إلى اصطياد «الدبّ» الإيراني من دون تخريب كل شيء؟

لكنّ الحسابات القديمة ترتّبت عليها نتائج هائلة وترسّخت وتوالدت، من الخليج إلى العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وسواها. واليوم، لم يَعُد الإيرانيون يستأذنون أحداً لممارسة نفوذهم في الشرق الأوسط، بل باتوا يعتبرون المنطقة حديقتهم الأمامية. ولولا قلق إسرائيل من بلوغ طهران النووية حدودها لما تحرّكت ربما أيُّ قوة دولية أو إقليمية لضبط الطموحات الإيرانية.

لقد تأخّر العربُ كثيراً في مواجهة إيران، ولهذا التأخير مستتبعاتُه. وفي العادة، تصبح المواجهة أكثرَ صعوبة وأكلافاً عندما تأتي متأخرة. لكنّ وليّ العهد السعودي لا يجد بديلاً من الإقدام على الجراحة الصعبة: «أن تأتي متأخّراً خيرٌ من أَلّا تأتي أبداً».

لا يريد الأمير محمد أن يستثني أيَّ عنصر قوة تمتلكه السعودية في هذه المعركة، على امتداد الشرق الأوسط. فالمرحلة لا تسمح بتحييد النفس. وعلى كل حليف للسعودية أن يأخذ على عاتقه الجزءَ المتعلّق به من هذه المعركة، بما فيها من أكلاف. فالسعودية نفسها تواجه إيران مباشرة في اليمن.

إذاً، وفق هذا المنطق، على اللبنانيين الرافضين نفوذ إيران أن ينخرطوا في المعركة الواحدة مع المملكة. ولهذا السبب، جرت دعوةُ الحريري ليستقيل ويبقى في السعودية. وكذلك، جرت دعوةُ الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى المملكة، ليضعَ «حماس» عند حدودها، فلا تمضي في استعادة علاقاتِها مع طهران.

ويؤشّر هذا المسار إلى أنّ السعوديين سيتّخذون مبادرات جذرية في العراق وسوريا أيضاً، في مواجهة إيران. فيما هم مطمئنّون إلى الأردن ومصر.
يريد السعوديون من محمود عباس أن يقترب من محمد دحلان، الذي يشكل حالة فلسطينية قوية، ولطالما كان منافِساً لرئيس السلطة. وفي المقابل، يريدون من عباس إضعافَ «حماس» التي تمثّل للسعوديين- إلى حدّ معيّن- ما يمثله لهم «حزب الله» في لبنان.

ولكن، على الأرجح، لا يمكن لـ»حماس» أن تتعاطى مع عباس كما يتعاطى «حزب الله» مع حالة الحريري. فالمعادلة مقلوبة: في لبنان، عندما انسحب الحريري، ترك هامشاً أوسع لـ»حزب الله». وأما في فلسطين، فمطلوب أن تنسحب «حماس» بعدما سلّمت إدارة غزة للسلطة الفلسطينية بموجب اتّفاق القاهرة الأخير.

إذا اندلعت المعركة على مداها بين السعودية وإيران، فالسيناريو يقضي باستخدام الطرفين كلَّ أوراقهما الداخلية في البلدان الممتدة من الخليج إلى شاطئ المتوسط. وعلى الأرجح، ستكون المواجهة المفتوحة حاميةً جداً ومكلفةً جداً، وستتداخل عناصر الصراع بين دول الخليج والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وسواها. كما يمكن لإسرائيل أن تنخرطَ في بعض فصول المواجهة، وفقاً لما تقتضيه مصلحتُها.

قد تقع اهتزازاتٌ أهلية في بعض الدول العربية التي لم يشملها «الربيع العربي». وربما تؤدّي التطوّرات إلى خروج مئات الآلاف من العاملين في دول عربية خليجية، بعد أن يتمّ تصنيفُهم متعاطفين مع طهران، وبينهم لبنانيون.

ويمكن أن تطرأ عناصر جديدة على الوضع في العراق وسوريا تعيد خلط الأوراق. وكذلك، سترتفع وتيرة الصراع السياسي في لبنان ومناطق السلطة الفلسطينية. وهنا الخشية من بروز عوامل أمنية أيضاً، إذا وجد أحدُ المعنيين (إسرائيل بينهم) أنه يحتاج إلى تسخين المعركة.

لن يتورّط أيُّ طرف لبناني في قتال طرف لبناني آخر. و»حزب الله» نفسه كان دعا منذ سنوات إلى المواجهة العسكرية مع خصومه في سوريا لا في لبنان. لكنّ الأمرَ ليس هو نفسه بالنسبة إلى الفلسطينيين.

فاشتعالُ المخيمات يصبح أمراً وارداً لأنّ مظلّة الأمان التي تمثلها حركتا «فتح» و»حماس» ومحمد دحلان تتمزّق. ولا أحد يضمن أيَّ دور يمكن أن يضطلع به الفلسطينيون من داخل مخيمات النزوح في لبنان. وهل صحيح أنهم ربما يصبحون جزءاً من المواجهة الكبرى الجارية؟ مع مَن، وضد مَن؟

حتى اليوم، الأمر يبقى مجرّدَ هواجس. لكنّ سيناريوهات المواجهة السعودية – الإيرانية، إذا اندلعت على مداها، ستكون كابوساً لكثيرين.