في الحقيقة والواقع، لم يشهد لبنان، وربما العالم سلطة وطبقة حاكمة، اوقح من السلطة القائمة، ومن الطبقة المطبقة على خناق الشعب اللبناني منذ العام 1988، وتزداد بشاعة وقاحة هذه الطبقة السياسية الحاكمة، يوماً بعد يوم، مع تفجر بركان الفساد في لبنان، بحيث ما ان تغيب فضيحة، او يتم تغييبها، حتى تطل فضيحة اكبر واشنع واخطر، تنسي اللبنانيين فضيحة ما قبلها، فتسارع الطبقة الحاكمة الى «التعاون والتعاضد» لترقيع ما يمكن ترقيعه. على الرغم من ادراكها، ان الترقيع لم يعد ينفع، وان الحل، بأن تحل عن ظهر هذا الشعب لتفسح في المجال امام انتاج وجوه جديدة، نظيفة، شريفة، مؤمنة بالله والوطن، وليس بالشيطان ومصالحها الخاصة.
يقول البعض ان الدولة فقدت جزءاً مهماً من هيبتها، وهذا قول تجميلي مخادع لا اساس له من الصحة، لان هذه الدولة بفضل الطبقة الحاكمة والعديد من القيادات السياسية، وبفضل سيطرة منطق القوة والسلاح، فقدت كامل هيبتها، وكرامتها وسلطتها، واحترام الشعب وثقته، حتى ان دول العالم، لم تعد تثق بأن مساعداتها المالية والعينية سوف تصل الى مستحقيها الحقيقيين، خصوصا بعد الفضيحة المدوية التي انفجرت في مؤسسة قوى الامن الداخلي، وابطالها عدد من كبار الضباط والعناصر، ارتكبوا افعال السرقة والتزوير والاتجار بالمخدرات، وتسهيل انتشارها، وهي المؤسسة التي يفترض بها ان تكون حامية الشعب وحارسة المؤسسات وقد ترافقت هذه الفضيحة مع فضيحة اخرى لا تقل خطورة عنها، مهما حاول البعض في هذه الطبقة النكبة، تسخيفها وترقيعها وحماية مرتكبيها، والفضيحتان تأتيان في اعقاب فضيحة العصر التي ما زال اللبنانيون يعيشون مأساتها. وهي فضيحة النفايات التي فعلت فعلها في صحة اللبنانيين، وفي سلامة البيئة وسمعة لبنان كبلد يسبح في الزبالة والاقذار.
***
مؤسستان وطنيتان، لم يصل اليهما الفساد بعد، ونأمل ان تبقيا في منأى عن هذه الافة التي استوطنت في الدولة ومؤسساتها، هما الجيش اللبناني ومصرف لبنان، ومن الواضحان الشعب اللبناني يضع ثقته وآماله واحلامه بالخلاص، في هاتين المؤسستين، الاولى لحمايته وحماية الوطن، والثانية لحماية لقمة عيشه، وحماية لبنان من ان يسقط كورق الخريف ويصبح دولة فاشلة في جميع المقاييس، ولكن الشعب الملدوغ من هذه الطبقة السياسية الحاكمة، لا يأمن لها من ان تمد ايديها الجشعة الى هاتين المؤسستين، وتفرغهما من عناصر القوة والصمود، كما فعلت في المؤسسات الاخرى، بدءا من الفراغ في رئاسة الجمهورية الى آخر وزارة وادارة ومؤسسة عامة.
اصدقاء عرب واجانب، بعضهم يعرف لبنان بالزيارة، وبعضهم بالمطالعة، اقل ما يمن القول عنهم انهم مذهولون من وصول الوضع في لبنان الى هذا الدرك من التراجع في كل شيء، انهم يحدثونك عن لبنان الاخلاق والتربية والصحة والاقتصاد والامان والبحبوحة والنظافة والمؤسسات والدور الريادي في العالم العربي. بمثل حديثهم عن المبدعين اللبنانيين الذين لا تغيب الشمس عن نجاحاتهم واعمالهم وحضورهم المميز في كل مكان، ويسألون ماذا جرى لكم، واي لعنة اصابتكم فوصلتم الى مشارف الانهيار!
عندما لا يعود حامل الجنسية اللبنانية يشعر بقدسية الانتماء الى لبنان، «يطق شرش الحياء» عنده، فيعمل عندها «السبعة وذمتها».