بعد عملية القنيطرة زار السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل رئيس الحكومة تمام سلام، وعدداً من المسؤولين اللبنانيين والسفراء، ناقلاً رسالة اسرائيلية مفادها أنّ اسرائيل سترد في لبنان على أيّ عملية ينفذها «حزب الله» رداً على عملية القنيطرة، سواء في سوريا او من داخل الاراضي اللبنانية.
هذه الرسالة الاسرائيلية ترافقت مع جملة مساعي بذلت مع «حزب الله» لكي يمتنع عن الردّ، في اعتبار أنّ لبنان لا يتحمّل أي رد، فالحرب ستعني تهجير مئات الالوف، الذين سيضافون الى أكثر من مليون ونصف مليون سوري موجود على الاراضي اللبنانية، وهذا ما لا طاقة لأحد على احتماله.
استدعت عملية القنيطرة كثيراً من الدرس والانتباه. فوجود «حزب الله» مع الوفد الايراني في تلك المنطقة، يعني أنّ ايران قررت توسيع جبهة الجنوب وضمّ جبهة الجولان، وإيكال «حزب الله» الاشراف على الجبهة الجديدة، ما يعني أنّ تدخّل الحزب في سوريا بطلب من ايران، لم يكن فقط بهدف الدفاع عن النظام السوري ومنعه من السقوط، انما امتدّ ليشمل تكليفه بوظائف جديدة، في جوهرها تجاوز لقدرة لبنان على الاحتمال.
فبالإضافة الى ما استجلبه تدخّل «حزب الله» في سوريا، من معارك يدفع ثمنها الجيش اللبناني مع «النصرة» و«داعش»، ها هي الوظيفة الجديدة المتمثلة بفتح جبهة الجولان، تستجلب عبئاً آخر، يهدّد الاستقرار في الجولان، ويكاد يهدّد القرار 1701 في لبنان، الذي صمد تطبيقه منذ العام 2006، على رغم الخروق المحدودة.
قبل عملية مزارع شبعا أمس، اعتقد البعض أنّ «حزب الله» لن يقوم بأي عمل قد يؤدي الى نشوء حرب جديدة. كلام مسؤولي الحزب في الحوار مع «المستقبل» أوحى بهذا الامر، تمّ البحث في كثير من الامور منها ما يتعلق بالتهدئة الداخلية، ونزع الاعلام واليافطات الحزبية من بيروت وطريق المطار، وتمّ تأجيل البحث في «سرايا المقاومة» الى الجولة المقبلة من الحوار، لكن الاهمّ أنّ ما قيل عكس نوعاً من التهدئة والتعقل، في مسألة الرد على عملية القنيطرة.
في مجلس الوزراء عكس وزراء «حزب الله» المناخ نفسه، حيث تحدث الوزير محمد فنيش عن الحكمة التي يتّصِف بها الحزب في التعامل مع المستجدات، وهذا ما فُهم منه المزيد من التأني قبل القيام بأيّ عملية رد قد تورّط لبنان بخطر الحرب.
ما حصل عام 2006 كان نموذجاً مشابهاً، خصوصاً في الجلسات الأخيرة للحوار التي سبقت الحرب، إذ طمأن الأمين العام للحزب الجميع على الطاولة الى موسم السياحة والاصطياف، وأوحى بأنّ الحزب لا ينوي هزّ الاستقرار على الحدود، فإذا بالحزب ينفّذ بعد أيام عملية «الوعد الصادق»، واذا بالحرب الأطول في تاريخ لبنان تندلع. وكان سبق للرئيس سعد الحريري أن أوصل الى «حزب الله» معلومات بأنّ ايّ عملية على الخط الازرق ستردّ عليها اسرائيل بحرب.
هل ثمّة تشابه بين الامس واليوم، وخصوصاً بالنسبة الى الحوار الجاري حالياً بين «المستقبل» والحزب ؟
الواضح انّ الحزب يتخذ من هذا الحوار غطاء للاستمرار، بتنفيذ أجندته الخاصة العابرة للحدود. فتحت غطاء هذا الحوار، يستمر قتاله في سوريا، وتحت غطاء هذا الحوار، يتمّ تحريك جبهة الجولان، وتحصل عملية شبعا.
كلّ هذا والحكومة التي ينتمي اليها الحزب بَدت آخر من يعلم، ولم تستطع بعد عملية شبعا أن تجتمع لإصدار موقف موحد، حيث اكتفى رئيسها بإعلان مقتضب، يعكس وجهة نظره الخاصة، ولا يعبّر عن وجود جسم حكومي قادر على أن يكون خلية أزمة في الاوقات الصعبة.
لا يبدو من هذا الحوار بين تيار «المستقبل» و»دولة حزب الله» أنّ شيئاً كثيراً سيتغيّر في سلوك الحزب، فهل يتجه «المستقبل» الى إعادة النظر بهذا الحوار، طالما أنّ «دولة حزب الله المستقلة» تمارس دورها متجاوزة الدولة لا بل مُلغية لها؟