لا يظهر أي تقدم في النقاش حول قانون الانتخاب، سوى تقديم فكرة المشروع المختلط بكونها الأفضل والأصلح. لكن ما هي مساوئ الفكرة، بعدما أظهر مؤيدوها حسناتها؟
يتصدر البحث في قانون الانتخاب الملفات السياسية العالقة استعداداً لخلوة الحوار المقررة في آب المقبل. لكن النتائج التي أسفرت عنها الاجتماعات النيابية في مجلس النواب، لا توحي بوجود تقدم في اتجاه إقرار قانون انتخاب سريعاً، أو أفكار جديدة لم يسبق أن طرحت وتخرق الجمود الحاصل، ولا تبشر باحتمال أن تخرج الخلوة بحسم الاتجاهات نحو اعتماد قانون جديد. ورغم أن كل القوى السياسية تنكر في شكل قاطع إمكان العودة الى قانون الستين، إلا أن كل الصالونات السياسية لا تزال تجزم بأن لا انتخابات إلا على أساس هذا القانون، وما عدا ذلك، هو عدة الشغل السياسية التي تفترض القيام بعمل ما أمام المحازبين والرأي العام، علماً بأن أجواء بدأت تلمّح الى أن فشل النواب في التوصل الى اتفاق حول قانون واحد، قد يغيّر المعادلة المطروحة من جانب الرئيس نبيه بري تحديداً بالذهاب الى انتخابات نيابية وعدم التمديد للمجلس الحالي.
وكذلك، فإن المحيطين بتيار المستقبل يتحدثون عن أن التيار يعيد حساباته الفعلية حول قدرته على خوض هذا الاستحقاق، سياسياً ومالياً وتحالفات، بعد ما أفرزته الانتخابات البلدية من مؤشرات ونتائج من الشمال الى البقاع وجبل لبنان وبيروت.
وسط هذه الاجواء، تدفع بعض القوى السياسية نحو تصوير المشروع المختلط بين النسبي والاكثري على أنه الأفضل، بعدما بات النقاش النيابي شبه محصور به، كونه يوفّق بين بري والمستقبل والتقدمي الاشتراكي والقوات، الذين ارتضوا المختلط وإن بصيغتين مختلفتين، فيما دخل التيار الوطني الحر على خط مناقشته، في لقاءات موسعة بين نوابه ونواب القوات واختصاصيين من جانبهما لمناقشة الافكار المطروحة لتقريب وجهات النظر ودرس احتمال التوفيق بين المشروعين المطروحين، واقتراح رؤية جديدة ودرس الدوائر والمقاعد التي توزع على أساس النسبي أو الأكثري.
بعد البلديات المستقبل قد يعيد حساباته الفعلية حول قدرته على خوض الاستحقاق
ينص مشروع القوات والمستقبل والاشتراكي على اعتماد دوائر الستين، أي 26 دائرة، منطلقاً لانتخاب 68 نائباً وفق الاكثري و60 نائباً وفق النسبية. أما قانون بري فينصّ على المناصفة في اختيار النواب بالاكثري والنسبي. وينحصر النقاش حولهما حالياً، علماً بأن حكومة الرئيس فؤاد السنيورة سبق أن وضعت مشروعاً مشتركاً بين الاكثري والنسبي عام 2005، وهو ما بات يعرف بمشروع الوزير الراحل فؤاد بطرس.
لكن ماذا يمكن أن يقدم المختلط للمسيحيين الذين ينادي التيار الوطني والقوات بأنهما يريدان من جرّائه تصحيح حقوق المسيحيين وإعادة المقاعد التي يسيطر عليها الاطراف المسلمون منذ حقبة الوجود السوري. يقول الباحث الإحصائي والانتخابي يوسف شهيد الدويهي لـ»الأخبار»، وهو لا يؤيّد أياً من الصيغ المطروحة للمشاريع المختلطة: «مقارنة بين المشاريع الثلاثة، فإن مشروع فؤاد بطرس بالمعايير التي وضعها هو الأفضل، لأن هذه المعايير أوضح بكثير من تلك التي اعتمدها مشروعا بري والقوات والمستقبل والاشتراكي». ويضيف أن «القوى المسيحية رفعت سقف التوقعات وقدمت لجمهورها طروحات واضحة حول رفض قانون الستين، لأنه لا يؤمّن صحة التمثيل المسيحي. إلا أن المشروع المختلط، بنصفه الاكثري وفق دوائر قانون الستين، تحايل وتجميل لواقع الستين، ما يعني أنه لن يعيد للمسيحيين الحقوق التي يطالبون بها زعماءهم بحسب ما يقولون. وكذلك، فإن النسبية الكاملة التي يطالب بها التيار لا تؤمّن أيضاً المناصفة التي يطالب بها، كون النسبية في النهاية تعبير عن الديموغرافيا، وهذا لا يؤدي الى إنتاج مناصفة حقيقية». ويحذر الدويهي من اعتماد المختلط، إذا كان الهدف هو السقف الذي وضعه التيار والقوات أمام الرأي العام المسيحي «باستعادة حقوق المسيحيين، لأنهما سيندمان، بعد أربع سنوات على اعتماده، تماماً كما ندما بعد الدوحة لأنهما طالبا بقانون 1960 رغم التحذيرات منه، وسيدخلان البلد مجدداً في متاهة البحث عن قانون جديد، تماماً كما حصل بعد الدوحة، علماً بأن قانون 1960 لم يقرّ لمرة واحدة كما يخيّل للبعض، ولم ينص اتفاق الدوحة على أنه سيعتمد مرة وحيدة فقط. وإذا كان لدى القوى السياسية القدرة الفعلية، وليس مجرد نيات، على إنتاج قانون انتخاب، يجب التفتيش عن فكرة أخرى غير المتداول، كالتصويت المحدود والتصويت التراكمي، وone man one vote، والدائرة الفردية».
تُصرّ القوات على أن خيار المشروع المختلط هو الذي يمكن أن يبنى عليه جدياً لإقرار قانون انتخاب تجرى الانتخابات المقبلة على أساسه، وهي تبدو أكثر حرصاً من نواب المستقبل والاشتراكي على تسويق هذا المشروع، ومتفائلة بإمكان التوصل مع التيار الوطني على رؤية موحدة له، فيما ترى مصادر نيابية أن ثمة تنسيقاً بين بري والقوات، عبر النائب جورج عدوان، لحصر النقاش بالمختلط، وتصويره أنه المشروع الأصلح، حتى لا يبقى مجال للحديث عن غيره. وإذا كان التيار، حتى الآن، متمسكاً بالنسبية وبالأرثوذكسي، رغم فتحه باب النقاش حول المختلط مع القوات، فإن حزب الكتائب لا يزال يرفض بالمطلق أي مشروع مختلط، ويتمسك باقتراح الدائرة الفردية. وبحسب مصادر كتائبية مسؤولة، فإن الاتصالات مستمرة بين رئيس الحزب النائب سامي الجميل وعدوان حول قانون الانتخاب، لكن الكتائب لا تزال عند موقفها الرافض للمختلط، حسبما تقول لـ»الأخبار»، أولاً لأن المشروع لا يزال يؤمّن نصف عدد النواب على أساس الاكثري، أي قانون الستين الحالي، كذلك فإن الوقت لم يعد متاحاً لتطبيق الشق الثاني من القانون، أي النسبية، ووضعها موضع التنفيذ إجرائياً.