عوّدتنا وعلّمتنا الأيام والحكومات أن لا ننظر الى البيانات الوزارية لتقييم مدى اهتمام الحكومات الجديدة بشؤون البيئة. سر السياسات البيئية في لبنان في وزارة البيئة.
وبغضّ النظر عن تعثرات الوزير السابق محمد المشنوق مع مستشاريه، يجب ان نسأل بداية ماذا يحصل في الوزارة وماذا سيحصل فيها مع الوزير الجديد طارق الخطيب؟ فالوزارة كهيكلية إدارية، شبه معطلة. مدير عام الوزارة معزول وموضوع خارج الخدمة منذ عهود ثلاث حكومات متعاقبة وأحيل الى التفتيش أكثر من مرة. لا بل كان بين أسباب بعض الإحالات، مخالفة المدير لتوجهات الوزير او العمل ضد توجهات الوزارة. كما لم يخل الامر من التحريض السري والعلني على الكثير من الملفات بهدف إفشالها، لا سيما ملف النفايات الذي تعثرت وزارة البيئة في ادارته وأدى إلى وقوع البلاد في ازمة كبيرة. كما حصلت طوال تلك السنوات تصدعات كبيرة وعميقة بين المدير العام ومعظم موظفي الوزارة، أدت الى تشوهات واختلالات كبيرة في صلب عمل الوزارة، ما انعكس سلبا على معظم الملفات الحساسة التي تتحمل الوزارة مسؤوليتها.
انطلاقا من ذلك، تصبح قضية ترتيب البيت الداخلي أولوية على أي ملف من ضمن مهمات وزير البيئة الجديد.
كما نتمنى على الوزير الخطيب ان لا يأخذ بتوصيات الوزير السابق، لا سيما رأيه بعدم مسؤولية وزارة البيئة عن ملف النفايات. فالوزارة، بحسب القوانين المرعية، لديها مهمة رئيسية في وضع الاستراتيجيات ومشاريع القوانين، وليس المساهمة في وضع الخطط المبتورة وحسب الطلب ووضع دفاتر شروط المناقصات او المشاركة في وضعها…الخ
كما لا يفترض الاستمرار في هدر الجهود والمال والكلام في الحديث عن معالجة تلوث الليطاني وبحيرة القرعون، مع العلم ان معالجة هذا التلوث المزمن لا يكون الا عبر البدء بتطبيق المبادئ البيئية الأساسية لمعالجة هذا الموضوع، وهي وقف جميع مصادر التلوث من مصادرها ووقف سد المياه السطحية الجارية خلف سدود وعدم التوقف امام سد جنة فقط، بل إعادة النظر بكل استراتيجية المياه ضمن معايير التقييم البيئي الاستراتيجي للمشاريع الكبرى، وعدم الاتكال على شركة خاصة غير متخصصة لدراسة هذا الموضوع.
ثم من غير الصحيح ان قضايا البيئة تختصر بملفين او ثلاثة كما ورد في بيان الحكومة او في الكثير من كلمات النواب اثناء مناقشة البيان الوزاري. فأين دراسات التقييم البيئي الاستراتيجي الشاملة او ما يسمى «استراتيجية التنمية المستدامة»، التي يفترض ان تشمل دراسة مختلف القطاعات وربطها ببعضها، لاسيما سياسات الطاقة والمياه والزراعة والتنوع البيولوجي، والتي يفترض ان تتقاطع مع المخطط التوجيهي العام لترتيب الأراضي واستخداماتها في الزراعة والصناعة والسياحة والتنظيم المدني…الخ يضاف اليها القضايا المستجدة كقضية تغير المناخ التي تتطلب عناية خاصة، لاسيما في ظل التقارير الدولية والمحلية التي تتحدث عن آثار مدمرة على الثروات المائية والزراعية والسياحية وعلى أسس النظام الغذائي والصحي عامة.
صحيح ان العمر الافتراضي للحكومة الجديدة قصير، الا أن وزيراً للبيئة وضع القضايا الاستراتيجية عنوانا لولايته، يمكن ان ينجز الكثير في وقت قياسي، بينما يمكنه ان يستغرق ولايته كلها، من دون جدوى، إذا اراد ان يدخل الى البيئة من باب الجمعيات والاحياء والبلديات الصغيرة ومشاكلها.