IMLebanon

أي جدوى لحوار لا يرسّخ الأمن والاستقرار ولا يضع آلية دائمة لانتخاب رئيس للجمهورية؟

إذا كان الحوار المرتقب بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع على إقامة جمهورية جديدة تحكمها دولة قوية ورئيس قوي، فهل في الاستطاعة تحقيق ذلك في ظل وضع شاذ لا شيء يدل على اقتراب الخروج منه ما دام القرار هو للسلاح خارج الدولة، لا بل يتحداها بالقول: “قرري ما تشائين… ونحن نفعل ما نشاء”. وقد أكد ذلك بالفم الملآن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في خطابه الاخير عندما أعلن ان الحزب “لن يتقيد بعد اليوم بقواعد الاشتباك، وانه سيرد في أي زمان ومكان وكيفما كان”…

الواقع ان لبنان لم يخضع لحكم الدولة منذ أربعين عاماً، وذلك للأسباب الآتية:

1 – تحوّل المخيمات الفلسطينية ثكناً ومعسكرات، ما أدى إلى إشعال حرب داخلية بل فتنة طائفية دامت سنتين، ثم تحولت حرب الآخرين في لبنان ودامت 15 سنة، وكان الحكم فيها للميليشيات المتعددة الهوية والمذهب.

2 – إخضاع لبنان لوصاية سورية جعلته محكوماً بهذه الوصاية وأصبحت الدولة فيه دولة مستعارة…

3 – مع انتهاء الوصاية السورية على لبنان بدأت وصاية جديدة عليه في العام 2005 من السلاح خارج الدولة، وهو تحديداً سلاح “حزب الله” بعد سلاح الفلسطينيين داخل المخيمات وخارجها. وقد حال وجوده دون جعل السلاح حصراً في يد الدولة لتكون قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل اراضيها وتطبيق القانون على الجميع ومن دون تمييز. وفشلت كل المحاولات لجعل حاملي هذا السلاح يتخلون عنه، او اقله القبول بضبط استخدامه ووضعه في كنف الدولة في اطار استراتيجية دفاعية لم تتم الموافقة على اي مشروع طرح في شأنها على طاولة الحوار. وكانت حجة “حزب الله” ان له دورا إقليمياً تديره ايران في المنطقة من اجل مواجهة خصومها، فضلا عن التصدي لإسرائيل ومخططاتها، الى ان كانت هجمة الارهاب التي زادت الحاجة اليه.

4 – ان الدولة اللبنانية لن تستطيع ممارسة سياسة النأي بالنفس ترجمة لـ”اعلان بعبدا” ما دامت الحرب في سوريا مستعرة والاعتداءات الاسرائيلية لا تتوقف والارهاب يدخل المنطقة ويهدد امن كل دول العالم.

5 – ان ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة” المثيرة للخلاف، يصر “حزب الله” على التمسك بها، وان يكون وحده الآمر فيها بحيث أصبح الجيش والشعب لا شأن لهما بها بدليل ان “المقاومة” بقيادة “حزب الله” قررت المشاركة في الحرب السورية من دون أن تعطي حتى علماً لا للجيش ولا للشعب… وان تقرر الرد على أي ضربة اسرائيلية في أي زمان ومكان من دون ان تعود الى الدولة اللبنانية.

لذلك فإن لبنان سيظل يعيش في وضع شاذ وان اي رئيس لن يكون سوى رئيس لإدارة هذا الوضع وليس للخروج منه حتى وإن اتفق عون وجعجع على كيفية الخروج منه ما دام “حزب الله” يرفض التخلي عن سلاحه بدعوى ان له دوراً اقليمياً لم ينته بعد، وما دامت الحرب في سوريا مستمرة والخطر الاسرائيلي قائما وليس في استطاعة الجيش اللبناني وحده مواجهة هذا الخطر بالطريقة التي تواجهه “المقاومة”.

والسؤال الذي يشغل بال اللبنانيين ويقلقهم ولا جواب عنه حتى الآن هو: متى تقوم في لبنان الدولة القوية القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها ولا تكون الى جانبها دولة أخرى ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها، لأن استمرار وجود سلاح خارجها لن يقيم هذه الدولة أياً يكن شكل الجمهورية، وسيكون عهد كل رئيس استمرارا لعهود سابقة لم يكن فيها الحكم للدولة إنما للسلاح الفلسطيني ثم للوصاية السورية والآن لسلاح “حزب الله”؟

هل مطلوب من لبنان إذاً انتظار نهاية الحرب في سوريا وزوال الخطر الاسرائيلي وربما حل القضية الفلسطينية والتوصل الى اتفاق حول الملف النووي الايراني، كي يعود الى وضعه الطبيعي ويخرج من الوضع الشاذ الذي يعيشه منذ 40 عاما كي تقوم الدولة القوية فيه، دولة تستطيع ان تقرر سياستها ولا يقررها عنها أحد، وان تطبق سياسة النأي بالنفس ترجمة لـ”اعلان بعبدا”، والمطلوب منه ايضا في ظل الوضع الراهن في المنطقة المحافظة على “الستاتيكو” وعلى الامن والاستقرار وإن في حدهما الادنى لأن سقوطهما سيكون سقوطا للبنان وزعزعة لكيانه، وان على اللبنانيين ان يقبلوا هذا الواقع ولو مكرهين، فقد يكون الكحل الذي هم فيه افضل من العمى الذي يسود دولا في المنطقة.

ويبقى السؤال: أي جدوى من حوار سني – شيعي إذا لم يحقق حتى تنفيس الاحتقان المذهبي ويحافظ على الوحدة الوطنية والسلم الاهلي مع بقاء المواقف متباينة من الملفات الشائكة، وأي جدوى من حوار مسيحي – مسيحي إذا لم ينته الى اتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وعلى إقامة جمهورية عادلة وعلى موقف واحد من السلاح خارج الدولة ليكون الرئيس المقبل رئيساً لدولة قوية لا رئيساً لدولة يحكمها سلاح غير سلاحها، رئيساً في جمهورية عادلة وليس فيها أبناء ست وأبناء جارية.