تكرار الكوارث معلّم، كما يقول مثل أميركي. لكن تكرار الفشل الكارثي على لبنان في انتخاب رئيس للجمهورية على مدى ٢٦ شهراً لم يعلمنا شيئاً يخرجنا من الدوران في المأزق وتكرار السجالات نفسها. فالمواعيد الأربعون لجلسات انتخابية لم يكتمل نصابها، خلافاً لأساس النظام الديمقراطي البرلماني، صارت في الحسابات مجرد رقم. ولا شيء يوحي أن الموعد الحادي والأربعين سيكون مختلفاً، برغم المناخ الواعد نسبياً الذي ظهر في موسم الانتخابات البلدية وما تعلمناه من دروسها وما سمعناه من استعداد للبحث عن فرصة وسط تراكم الأخطار والكوارث.
إذ الكل تقريباً يوحي، أقله في الخطاب، أن ساعة التغيير دقت، سواء تحت ضوء الأفق الذي فتحه الناخبون أو تحت تأثير الصدمة التي فاجأت أمراء الطوائف. والناس تسأل عن التوجه الفعلي لأمراء الطوائف، وهل هو نحو التغيير والانفتاح أو نحو المزيد من التشدد حفاظاً على الستاتيكو والمواقع فيه. فالطبع يغلب التطبع. ولا أحد يضمن حصول أعجوبة يغلب التطبع فيها الطبع.
ذلك أن قوة الحرص على الشغور الرئاسي كانت ولا تزال أكبر من قوة الخوف منه والدعوات في الداخل والخارج الى انتخاب رئيس. فلا بين الزعماء من كان يجهل أن حكومة الرئيس تمام سلام هي لمرحلة شغور رئاسي، وليست لأشهر قليلة تسبق انتخاب رئيس جديد حسب الانطباع الشائع. ولا بالصدفة أو الغلط أو الارتجال وصلنا الى بداية السنة الثالثة من الشغور الرئاسي من دون أية اشارة الى موعد قريب أو بعيد لفتح الطريق الى قصر بعبدا. وقمة البؤس أن نستمر حتى اليوم في الجدل حول كون القرار الذي يصنع الرئيس في الداخل أو الخارج.
مفهوم أن الداخل والخارج متشابكان ومتكاملان في لبنان. فالخارج داخلي على المكشوف، والداخل خارجي بامتياز. لكن اللامفهوم هو الذي يحققه ترك الجمهورية بلا رأس في انتظار التطورات في حرب سوريا، وصراع المحاور الاقليمية في سوريا والعراق واليمن، وانتخابات الرئاسة الأميركية، وتبلور الصورة الأخيرة في مشهد اللعبة الروسية – الأميركية بعد الدور الروسي العسكري في سوريا. فما الذي يغيره في مسار حرب سوريا وجود رئيس في لبنان أو يبدله أي شكل مستقبلي لسوريا وأي نصر لأي طرف في دور الرئاسة في لبنان؟ ومن يعرف كيف ينتهي صراع المحاور الاقليمية وما يبقى من لبنان؟ من يشتري ورقة رئيس للبنان في بازار الرئاسة الأميركية واللعبة الكبيرة بين واشنطن وموسكو؟
المفارقة ان كثيرين يتبارون في ربط الرئاسة بكل ما يحدث في المنطقة والعالم من دون قراءات عميقة وتفسيرات واقعية.