Site icon IMLebanon

أي “مساعدة” إيرانية يصعب صرفها

لا يمكن الجيش اللبناني أن يتسلّح سرّاً وبالتهريب، كما يفعل “حزب الله”، إلا في حال واحدة وهي أن يتحوّل علناً و”رسمياً” الى ميليشيا رديفة لذلك “الحزب”، وربما يعلن عندئذ أنه لم يعد في كنف الحكومة ولا يحتاج الى مساعدات عربية أو أجنبية، ما دامت ايران تعرض الآن ضعفي المساعدة السعودية المعلّقة، أي ستة بدلاً من ثلاثة مليارات دولار، شاملة كل الأسلحة التي كان يتوقعها من فرنسا بل أكثر تطوّراً. وقد يستتبع حال “انشقاق” الجيش هذه انكشاف حالات الانشقاق الفعلية لأطراف سياسية يجلس ممثلوها الى طاولة مجلس الوزراء، عندما يُسمح له بالانعقاد، ما دامت “المساعدة” الايرانية المطروحة يمكن أن تُرفع لمواجهة أي اضطراب مالي وسدّ أي عجز، وكذلك لتغطية أي نفقات بما في ذلك معالجة قضية النفايات.

ليس هذا من باب قبيل التخيّلات، وسواء كانت ايران قادرة على الدفع أم لا فإنها تعرض “المساعدة”، استجابةً لمنطق المواجهة مع السعودية ودول الخليج. فالترجمة الفارسية قدّمت القرارات السعودية باعتبارها تحدياً يقول لإيران إن وضع يدها على لبنان من خلال “حزب الله” دونه أعباء، وما عليها سوى أن تتحملها. واستناداً الى ردود فعل “الحزب”، كما عبّر عنها نعيم قاسم، فإن ايران تتصرّف كأنها تلقت “هدية” سعودية لم تتوقعها ولم تسعَ اليها، لأن ما تريده كان في متناولها، وليس لدولة مارقة مثلها أن تخجل من القول بأن أتباعها “يصادرون” الدولة في لبنان، بل تعتبره اعترافاً يشرّع الأمر الواقع.

يُفترض أن يدرك “حزب الله”، حتى لو لم تدرك ايران، أن أي فئة لا يمكنها بل ليست لها مصلحة في أن تصادر الدولة، يتساوى في ذلك أن تكون مسلّحة أو لا. ومهما كانت “المصادرة” مريحة ومؤاتية لـ “الحزب” أو لجمهوره أو لولائه لإيران، فإنه سيبقى في مواجهة مجتمع يرفض تسلّطه ومشروعه المذهبي من دون أن يكون منحازاً لأي مشروع آخر مشابه. ولا شيء يدعو “الحزب” للانتفاخ والمفاخرة اذ يبدو اليوم أنه يقود البلد الى المجهول ويريد عزله عن محيطه العربي.

كان لبنان توصّل الى “صيغة” حضارية قوامها التعايش وقبول الآخر. هذه الصيغة انتُهكت أكثر من مرة ولم يتبلور أي بديل أفضل منها. فالروح الحضارية التي امتاز بها ميثاقيّو 1943 لحماية الاستقلال بتحصين التعايش، واجتهد ميثاقيّو “الطائف” للحفاظ على جوهرها، هذه الروح لا تنفكّ تضمحلّ أمام ارهاب السلاح وما يضخّه من همجية. فمعادلة السلاح غير الشرعي مقابل مجتمع أعزل لا يمكن أن تستقيم ولا يمكن أن تُخضع المجتمع بالارهاب مهما خدمتها الظروف. ولعل الفشل الأكبر لـ “حزب الله” يكمن تحديداً في ما يظنّه انتصاره الأكبر: فالمجتمع يزداد اقتناعاً بأن لا خلاص من شرّ هذا “الشريك” الداخلي إلا بكسره عسكرياً.