IMLebanon

أيّ “أبعاد خفيّة” وجدتها قوى 8 آذار في قضية شريطَي التعذيب وردود الفعل؟

الجهود الكثيفة المتقاطعة التي بذلتها جهات عدّة وشخصيات وازنة خلال الساعات الـ36 الماضية أفلحت في طيّ تدريجي لصفحة قضية شريطي الفيديو اللذين سرّبا فجأة عن عمليات تعذيب نفذتها عناصر أمنية رسمية بحق سجناء “اسلاميين” في سجن رومية، وذلك بعدما أخذت هذه المسألة أوسع مدى وأكبر صدى وطغت في كل الأوساط على ما عداها من تطورات منذ لحظة بثهما.

ومع ذلك ثمّة دوائر معنية في قوى 8 آذار أوكلت الى نفسها مهمة سبر أغوار الحدث برمته وتقصّي أبعاده وفتح مغاليقه والكشف عن الجهات التي شاركت في صنعه، وكان لهذه الدوائر استنتاجاتها الآتية:

– لوهلة بدا أن قنبلة الحدث تفجرت داخل “البيت المستقبلي” على نحو أوحى بأن صراعاً ضمنياً وتبايناً خفياً يدوران بين طرفين داخل هذا البيت المتعدد المنزل، أو ان ثمة من أوعز بتظهير القضية من ألفها الى يائها ورمى بها في سوق التداول ليكون له لاحقاً حق التوظيف والاستفادة توطئة لتصفية حسابات مؤجلة ومعجلة.

– إذا كان هذا الاستنتاج الذي سرى سريان النار في الهشيم مسألة فيها نظر، خصوصاً ان ثمة سوابق وشواهد لم يمرّ عليها الزمن، إلا أن همّ الدوائر عينها كان ولوج القضية من أبواب أخرى أبرزها:

1 – التيقن مما اذا كانت المسألة موجهة فعلاً ضد وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي اثبت خلال تجربته الوزارية أنه يملك قابلية أن يكون الشريك المؤهل مستقبلياً في اي حكم أو حكومة.

2 – معرفة ما اذا كان البادئ بفتح أبواب القضية هي جهات وقوى متطرفة ومتشددة تبحث منذ زمن عما يمكن أن يوفر لها فرصة الامساك بناصية الشارع السني بغية اعادة عجلة الأمور الى الوراء، وبالتحديد الى زمن تولى هو زمام جولات الاحتراب والعنف في طرابلس قبل أن تضع لها خاتمة الخطة الأمنية، وهي الخاتمة التي كبحت باعتراف الجميع جماح الأصوات والوجوه المتشدّدة التي تحولت رموز مرحلة اضطراب، والتي بدا خلال ما يقرب من 3 أعوام أن لها حصرية الإمرة والنهي في هذا الشارع.

لم يعد خافياً أن الدوائر عينها توقفت ملياً أمام ما وجدت فيه ترابطاً ممنهجاً بين ظهور الشريطين المصورين صباحاً وبين ردات الفعل عليهما في الشارع بدءاً من أقصى الشمال وصولاً الى صيدا مروراً ببيروت والبقاع الأوسط والذي حدث مساء وفي وقت واحد تقريباً. صحيح أن الجمهور الذي شارك في ردود الفعل الغاضبة هذه كان محدوداً ولا يعتد به عددياً، إلا أنه لوحظ انه جمهور منظّم وتحرّكه ممنهج ولا سيما مع رفعه رايات “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” وإن بشكل خجول، مما أوحى بأن الذين يقفون وراء الأمرين معاً، أي ترويج الشريطين وتنظيم ردود الفعل عليهما في الشارع، أرادوا تحقيق جملة مكاسب بضربة واحدة أبرزها:

أ – اعادة استثارة عصب الشارع السنّي في لحظة مؤاتية هي أبواب شهر رمضان، أي اعادة اللعب على الغرائز المذهبية لإبقاء هذا الشارع في حال تأهب واستنفار.

ب – توجيه رسالة الى أكثر من جهة في الداخل والخارج على السواء فحواها أن هناك من بيده القدرة على ابتكار القضايا الجاذبة للانتباه وبثها واثارة الشارع على أساسها.

ربما وجد كثر في هذا الاستنتاج ان ثمة مظاهر تمرد على “تيار المستقبل” في شارعه ومعاقله بعدما عاد هذا التيار الى دست الحكم عبر حكومة المصلحة الوطنية من جهة، ومعاودة بعض قيادييه التواصل مع القواعد التي خلعت بيعتها له أو غادرته الى فضاءات أخرى بغية استيعابها مجدداً، وسواء صح ذلك أم وجد من يشكك به، إلا أن من حق المراقبين ان يجدوا في طيات المسألة اختبار قوة أراد البعض تسجيله.

ج – في ثنايا الرسالة عينها استنتاج آخر أريد أن يظهر جوهره وهو ان بالامكان تحريك الشارع والتحكم بحركته غبّ الطلب، وبهذا المعنى تصير ردات الفعل التي سجلت ليل الأحد – الاثنين بمثابة بروفة جاهزة للمحاكاة حين صدورالأمر.

د – أكثر من ذلك، لا تستبعد الدوائر عينها فرضية أن تكون ردات الفعل المنظمة بمثابة قنبلة دخانية يراد لها التغطية على قضايا أخرى طفت على السطح الاعلامي في الايام القليلة الماضية وفعلت فعلها، لا سيما أن المعنيين قد قصّروا عن دحضها أو التقليل من أهميتها.

ومع أن الدوائر عينها لا تكتم استنتاجاً أن “تيار المستقبل” كان في الحصيلة متضرراً من القضية برمتها، إلا أنها باتت تقيم على اقتناع مفاده أن الأمر من ألفه الى يائه قد أعدّ له بعناية محترفون لا هواة. فسياق الفضيحة يوحي بان الشريطين قد قام بتصويرهما غير السجناء وأنهما أبقيا قيد الحفظ مدة نحو شهرين، وانه استطراداً وزّعا وعمّما في لحظة شديدة الالتباس، وأن ردود الفعل، عليهما كانت محضرة سلفاً بدءاً باطلاق الهتافات الى رفع الشعارات والرايات التي ظهرت. وفي الخلاصة ان العملية برمتها قد لا تعطي ثماراً عاجلة ولكنها ربما تكون جزءاً من عملية تراكمية لها ما يليها من

فصول.