روسيا سجلت في مرمى الغرب الأميركي والأوروبي الهدف المهم الذي راهن عليه الرئيس فلاديمير بوتين من زمان. وليس قليلاً عدد الأهداف المرتبطة به في اللعبة الجيوسياسية والتي تبدو موسكو كأنها حققتها من قبل ان تطلق اول صاروخ على الجغرافيا السورية. ولا يبدل في الأمر كون القصف الجوي الروسي محل تراشق بالبيانات والصور والمعلومات حول ما يتركز عليه، وهل هو أهداف لداعش أم للمعارضة المسلحة التي تقاتل النظام وداعش. فالحقيقة هي الضحية الأولى في الحروب، كما يقال. والطريق طويل ومملوء بالمفاجآت امام التدخل الروسي المباشر، وسط الحسابات الأميركية الباردة والمشاعر الاقليمية المشتعلة.
وليس السفير الأميركي السابق في بيروت ودمشق وبغداد ريان كروكر هو الوحيد الذي يعترف بأن الروس كانوا قادرين على تحويل موقف دفاعي الى هجومي لأننا كنا غائبين كلياً. لكن الرئيس بوتين هو اول من يفترض به ان يعرف ان تكرار نموذج غروزني في حرب الشيشان، اي التدمير الشامل، صعب وخطر وخطير في سوريا، وان قيل انه لا يمارس الا هذا النموذج. فالسؤال في النهاية ليس فقط ما الذي تريد روسيا تحقيقه بل ايضا في اي سوريا ومن اجل اية صورة لسوريا. ثم هل تستطيع موسكو ان تلعب وحيدة، وهي تسعى الى ضمان الشراكة مع أميركا التي لا تستطيع الانسحاب من الشرق الاوسط ولا التخلي عن تصورها للنظام الاقليمي، مهما يكن الرئيس باراك أوباما بارداً ومتردداً؟
اذا أخذنا بقول الوزير جون كيري الذي يتغيّر يومياً ان أوباما وبوتين اتفقا على سوريا ديمقراطية موحدة علمانية فان الطريق يحتاج الى خارطة مختلفة عن الخرائط الظاهرة حالياً. واذا كانت سوريا المفيدة هي الهدف المفترض غير المعلن، فان الحل الجغرافي، ولو جرى تثبيته بالقوة، يبقى خارطة طريق الى حرب بلا نهاية ولا علاقة لها بالسياسة ولا بالوطنية بل بالعصبيات البدائية والأحقاد التاريخية.
والصورة أمامنا ناطقة: زحام طيران أميركي وروسي وسوري واسرائيلي وفرنسي في الجو. زحام جيوش وميليشيات على الأرض. يتفوّق فيها عدد الأجانب على عدد السوريين، وهو أعلى بكثير من رقم الثلاثين ألف ارهابي من مئة بلد، حسب تقرير أميركي أخير. والسوريون نازحون في بلدهم، لاجئون في بلدان الجوار، هاربون الى أوروبا وسط مخاطر الموت في البحر وقسوة الجوع والعطش وحواجز البوليس، على أمل أن يبدأوا حياة جديدة في وطن آخر.
وأكبر كذبة أميركية وروسية وايرانية وتركية وأوروبية هي الحديث منذ سنوات عن حلّ سوري – سوري بقيادة سوريين من دون تدخّل خارجي.