لم ينج موضوع الانتخابات الرئاسية الذي شهد زخما مع عودة الرئيس سعد الحريري في 14 شباط من تفاعلات الأزمة التي نشأت مع دول الخليج العربي، فساهمت في فرملة اندفاعة في اتجاهه، بل جعلت منه موضوعا ثانويا في ظل أولوية لانعكاسات خطيرة على مستويات سياسية واقتصادية عدة.
فمع إطلالة الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يوم الثلثاء الماضي عشية الجلسة الـ36 التي عقدها مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، والتي كانت مؤشراتها مهمة مع توقع حضور أكثرية نيابية قادرة على إيصال رئيس لو توافر نصاب الثلثين في الجلسة الاولى بتصعيد اضافي في اتجاه المملكة السعودية ودول الخليج، بدا موقفه بالنسبة الى مصادر سياسية حاجبا لمجريات اليوم التالي ودلالاته، بمعنى أن لا رئاسة مرتقبة في جلسة الاربعاء في 2 آذار ولا في المدى المنظور. غيب الصراع الاقليمي المتزايد والذي شمل لبنان أخيرا بقوة عبر الاجراءات الخليجية ضد لبنان كما ضد الحزب، أي فرصة لحصول انتخابات رئاسية قريبة، على رغم آمال وجهود لكل من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري. لكنه غيب ايضا في رأي أكثر من مصدر سياسي اي فرصة لرئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون، علما أنها لم تكن موجودة قبل اندلاع الأزمة الاخيرة ولدى عودة الرئيس الحريري الذي أكد استمرار دعمه لترشيح النائب سليمان فرنجية. فالالتصاق بين الحزب والتيار في معركة بدت واحدة نتيجة اصطفاف حسب لوزير الخارجية صهر الجنرال على محور اقليمي معيّن، زاد صعوبة الرهانات على احتمال وصول الاخير. هذا الالتصاق وفق معلومات مصادر ديبلوماسية غربية كان سلبيا للغاية بالنسبة اليه منذ توقيعه ورقة التفاهم مع الحزب عام 2006، والتي أثارت عاصفة من الانتقادات الغربية ضده، ولو من دون اعلان او ضجة علنية لعدم قدرة الدول المعنية على الوقوف ضد مصالحات داخلية، لكنها أبلغته في حينه بخطأ ارتكبه في رهانه، بحيث بات الزعيم العوني منذ ذلك الوقت وفقا لهذه المصادر يجذف عكس المد او التيار الذي يمكن ان يدعم او يؤيد وصوله الى رئاسة الجمهورية. ومع إقرار هذه المصادر بأن عون قد يكون يعرف ذلك في قرارة نفسه، ولو من دون أن يعترف به، فإنه غدا صعبا ان لم يكن مستحيلا بالنسبة اليه الانسحاب من الموقع التحالفي الذي بات عليه مع الحزب في ظل مصالح مشتركة. والازمة الاخيرة التي كرست تباعدا في مجلس الوزراء إزاء مواقف الحزب، خصوصا في الازمة التي أثارها مع الدول العربية، تجعله أكثر التصاقا بالتحالف بينه وبين التيار العوني، في حين أن الاخير كما مجمل حلفاء الحزب قد يكونون أحرجوا من المأزق الذي زجوا به من دون القدرة على إدانة حليفهم، أي الحزب علنا، او في وجه الدول الخليجية، ولا على موافقته في صراعه مع هذه الدول. فالحلفاء الذين رفعوا صوتهم دفاعا عنه تمسكوا بواقع انه مقاومة في ارتكاز على مقاومته السابقة ضد اسرائيل، لكن ايا منهم لم يأت على تفنيد ما ذهبت اليه الدول العربية لجهة تدخله عربيا، مما دفعها الى تصنيفه تنظيما ارهابيا.
وما دفع احتمال عون بعيدا هو أن الازمة الاخيرة ربطت انتخابات الرئاسة على نحو أكثر وضوحا بالصراع الاقليمي من جهة، وكون وزير الخارجية عد من بين الالة التنفيذية للحزب اقليميا من جهة اخرى. ولفت كثرا هدوء رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في الدفع بخيار دعمه عون للرئاسة في خضم هذه الازمة. والبعض يقول انه احرج لان الازمة مع دول الخليج ضيقت الهامش جدا امام الخيار الذي اعتمده، على رغم أن المصادر السياسية تقول إنه كان مسبقا على علم برأي هذه الدول بإمكان وصول العماد عون، وهو ما دفع به الى فتح حوار مع النائب فرنجية لما يقارب 22 جلسة على هذه الخلفية، وقد يكون مضى به لاعتبارات مصلحية مباشرة، لعلمه بأن لا افق له في الواقع بحسب هذه المصادر.
بالنسبة الى بعض السياسيين، فإن الازمة التي فتحها الحزب مع دول الخليج أحرجت حلفاءه، ولا سيما المرشحين الرئاسيين أكثر من سواهما، مما قد يمهد في رأي هؤلاء السياسيين الى إحراق فرصهما، وتاليا فتح الطريق للاتفاق على مرشح ثالث متى حان أو نضج أوان الرئاسة. إلا أن رأيا سياسيا آخر يغلب احتمال أن تبقى الامور محصورة بين عون وفرنجية، على رغم التقويم السلبي لفرص عون الذي التزم عدم الادلاء بمواقف دفاعا عن الحزب أخيرا . فثمة اقتناع بأن الحزب، وقد وصلته هديتان، أي المرشحان من 8 آذار، لن يفرط بهما او على الاقل باحداهما مع الارجحية للنائب فرنجية، لكونه يمكن ان يجمع الموافقة السنية والموافقة الشيعية، وهو ما يفتقر اليه عون. وتؤكد المعلومات ان الرئيس الحريري لن يبدل موقفه في اتجاه التراجع عن دعم فرنجية لمصلحة عون، على رغم رهانات او دفع غير مباشر في هذا الاطار بهدف الاساءة الى الحريري من باب انه سيضطر الى المساومة مع الحزب الذي لن يبدل موقفه، وذلك في ضوء اصراره على ملء الفراغ الرئاسي واعلانه اهمية ذلك وضرورته ايا يكن الرئيس المتحمل. هذه العناصر تبقي الابواب مفتوحة على كل الاحتمالات، علما أن الخشية من تطور درامي يقلب الوضع رأسا على عقب تظل الهاجس الاكبر لدى غالبية الاوساط السياسية، انطلاقا من أن حصول ما لا يمكن توقعه يظل أمرا غير مستبعد بحيث يخلط الاوراق.