IMLebanon

أيّ صلة بين إتمام صفقة استعادة العسكريين والتحريك المفاجئ لملف رئاسة الجمهورية؟

لم يكن امرا خاليا من الدلالات العميقة ان تنجح الان وفي هذه المرحلة بالذات جهود اتمام صفقة مبادلة العسكريين المخطوفين بمطالب “جبهة النصرة” وشروطها فيما اجهضت في الاشهر الاربعة عشر الاخيرة جهود ومحاولات عدة بذلت على هذا الصعيد وشارك فيها الوسيط القطري نفسه.

لا ريب في ان ثمة من بات يدرج هذا الانجاز المحقق للتو في خانة مؤشرات انفراج ايجابية عدة بدأت تفرض نفسها بشكل مفاجئ في ظهور ملامح صفقة سياسية في صدارة المشهد السياسي في الآونة الاخيرة، وتبدت اكثر ما يكون في بروز دلالات تؤشر لإمكان ملء الشغور الرئاسي المستمر منذ ما يقرب من عام ونصف عام ظنّ خلالها كثيرون ان السكينة المخيّمة على قصر بعبدا ستدوم لفترة اطول.

من البديهي القول انه لم يكن بالامكان اتمام هذه الصفقة التي اكتملت فصولا قبل ظهر امس لولا ضوء اخضر اقليمي – دولي، ولولا تقبّل داخلي بحيث بدا فيها الاطراف المشاركون في اتمام الصفقة جميعا وقد نالوا مكاسب وجنوا ارباحا بشكل متفاوت.

في الشكل، تبدو جائزة الدولة اللبنانية هي الاكبر، فالصفقة تفك اسر هذه الدولة من شبهة العجز المزمن عن ايجاد حلول لقضية العسكريين المخطوفين منذ نحو 14 شهراً والذين أقضّت قضيتهم البلاد والعباد وتركت في مراحل عدة خصوصا في بدايات القضية المشهد الداخلي برمته رهن اشارة الارهابيين الخاطفين يحركون الاهالي ويدفعونهم الى الشارع لمحاصرة الحكومة والمؤسسة العسكرية بتهمة العجز والقصور عن الفعل والمبادرة.

صحيح ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم سيضيف الى سجله في هذا المضمار علامة ايجابية اخرى، ولكن السابر لاغوار هذه الصفقة وخفاياها واثمانها العالية يخرج باستنتاجات عدة تشكل علامات فارقة في مسار المرحلة الراهنة على المستويين المحلي والاقليمي أبرزها:

– ان دمشق وطهران ساهمتا كل من موقعها بتوفير اسباب نجاح الصفقة ماديا ومعنوياً، فالعاصمة السورية افرجت، بحسب معلومات، عن رقم عال جدا من الذين طالب الخاطفون باطلاقهم من السجون السورية، في حين بدت العاصمة الايرانية عبر ما ادلى به مستشار المرشد الأعلى للثورة الايرانية الدكتور علي اكبر ولايتي من على منبر السرايا الحكومية وهو الحاضر فجأة الى بيروت من البوابة الدمشقية، وكأنها تسبغ غطاء بركتها على هذه الصفقة وخواتيمها.

– ان قطر بدت في مقام الوسيط الفاعل الذي وفر سبل انجاح الصفقة من بداياتها وحتى خواتيمها، وهو الذي استنكف عن ذلك في مرات سابقة وقطع مهمة الوساطة وتوارى عن الانظار فجأة. ولهذا حساباته الدقيقة لدى السلطات في الدوحة.

– بدت “جبهة النصرة” من خلال مسار الصفقة كاسباً أكبر، فالصفقة تمت تقريبا بكامل شروطها السابقة واللاحقة، وهي ايضا تنهي مفاعيل حصار عسكري مكلف لجرود عرسال حيث يتمركز فيها عناصر من هذا التنظيم وتؤمن لهم خط امداد دائماً، فضلا عن ان هذا التنظيم ميز نفسه عن “داعش” وسعى الى تلميع صورته، اذ بدا انه يعد ويفي ويتعهد ويلتزم. وفي النهاية بدا نداً للدولة اللبنانية وبارعاً في لعبة الابتزاز والحصول على اكبر قدر من المكاسب خصوصا انه يدرك الحاجة الملحة للدولة اللبنانية وممثلها في العملية التفاوضية برمتها لنصر عاجل، وهو في الحصيلة امر يقوي موقع هذا التنظيم في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا من جهة ويلمّع صورته لاحقا.

– ثمة ولا شك ارتياح واسع لا يستهان به لجزء من قضية شغلت لبنان لكن اثمانها، بداية ونهاية، عالية جدا ومكلفة بدت فيها الدولة منذ آب ما قبل الماضي وحتى الامس القريب الحلقة الاضعف والمهيضة الجناح.

القضية انتهت ولكن ارتداداتها وتداعياتها ستبقى تلقي بظلالها لفترة طويلة على المشهد السياسي. وفي كل الاحوال ثمة من يجد ان القضية هي خيط ايجابي مستجد من شأنه ان يحرر الدولة من عبء العجز ويفتح ابواب آفاق كانت حتى الامس القريب تبدو موصدة تماما.

في أوساط المراقبين ثمة من يضيف هذا الخيط الى خيوط انفراج اخرى عدة برزت اخيرا في مقدمها ولا شك مسألة الرئاسة الاولى، اضافة الى الكشف عن مزيد من الشبكات الارهابية ليعتبرها جميعها روافد تصب في ساقية مساع ترمي الى تحييد لبنان بالمعنى الايجابي عن صراعات المنطقة، او الشروع في عملية متدحرجة لترتيب اوضاعه كونه العقدة الاسهل في ظل المراحل الانتقالية في المنطقة التي كبر الحديث عنها في اعقاب “فيينا السورية”.

واللافت في الامر وبناء على تفاصيل اتمام الصفقة ومراحلها المتدرجة ان دمشق وطهران ليستا ببعيدتين عن مناخات هذا الموضوع المستجد. وطبعا لا يمكن أي عاقل ان يعتبر ان الامر من ألفه الى يائه هو لتعزيز صورة اللواء ابرهيم وتقوية وضعه في المعادلة، بل ان له صلة وثقى بالحراك الايجابي داخل المعادلة اللبنانية خصوصا اذا ما صدقت المقولة على لسان بعض مخضرمي السياسة اللبنانية، من ان تسمية النائب سليمان فرنجيه لملء سدة الرئاسة الاولى الشاغرة هي صفقة ذات ابعاد داخلية – اقليمية – دولية من النوع القدري الذي لا يمكن رده او الوقوف في وجهه او الحيلولة دون تنفيذه. وهو امر يحتاج بطبيعة الحال الى براهين عملية لكي يتأكد.