فيما أعلنت واشنطن قبل يومين توسيع الهدنة لتعود فتشمل حلب، لأن الهدف هو اعادة العمل بوقف الاعمال العدائية، كان لافتا استخدام الروس، ومعهم النظام السوري، عبارة جديدة هي “نظام التهدئة” الذي سيشمل حلب. و”نظام التهدئة” كما يقول ديبلوماسيون، هو أقلّ من هدنة وأقلّ من وقف الأعمال القتالية أو العدائية، وإلا لما استخدم تعبير جديد يفترض أنه يعني هدوءا موضعيا وفي ظروف ومناطق محددة، وليس تهدئة دائمة ومستمرة في منطقة كاملة. ما الذي سرى أو سيسري إذاً بالنسبة الى حلب، عودتها تحت سقف الهدنة او ما سمي “نظام التهدئة”؟ الواقع أن ترجمة هذا التعبير تفيد ان النظام سيسعى مجددا، بدعم من حلفائه، الى استعادة حلب من المعارضة استنادا الى ما يتفق عليه أكثر من خبير سياسي في الجغرافيا السورية. قد لا تكون الاختلاف في التوصيف مهما اذا كان ثمة هدف سياسي يتم السعي الى تحقيقه، لكنه يوضح بعض الاهداف. ويثير الخلاف على توصيف النتائج التي تم التوصل اليها بين وزيري الخارجية الاميركي والروسي جون كيري وسيرغي لافروف، اي اعادة العمل بالهدنة او “نظام التهدئة”، تساؤلات عما إذا كانت ثمة خلافات جدية بين الجانبين الاميركي والروسي حول الرؤية الى مسار الامور في سوريا، يقول البعض ان دلائلها قوية في مجلس الامن الدولي، او ان هناك خلافات ظاهرية نتيجة خبث او تواطؤ اميركي تحت عنوان الاستياء من المعارضة السورية من جهة، والتسليم بضرب حلب بذريعة استهداف مواقع “جبهة النصرة” في المدينة من جهة أخرى. في حين ان المأساة الانسانية التي لاحت والتي كلفت في الايام الاخيرة التي استهدفت فيها حلب 300 قتيل اضافي وفق الامم المتحدة، هي التي حركت الاتصالات بقوة من أجل إعادة الهدوء وليس اي اعتبار آخر يتصل بالحرص على موازين القوى المحلية او الاقليمية او ما شابه ذلك. وهذا مصدر خشية كبيرة لدى متابعين ديبلوماسيين، خصوصا ان الامر بات منوطا بما يجري بين الولايات المتحدة وروسيا وليس بمجلس الامن ولا حتى بمجموعة الدعم الدولية لسوريا. وباتت ذريعة استهداف التنظيمات الارهابية جاهزة عند كل محطة ومنعطف من أجل لي أذرع عدد من الجهات الاقليمية او الدولية. وقد لفت متابعين ديبلوماسيين، بالتزامن مع الاتصالات بالولايات المتحدة لادخال حلب من ضمن الهدنة، اعلان جهاز الامن الفيديرالي الروسي انه تم احباط عمليات عدة أمر بتنفيذها “إرهابيون” أتوا من تركيا وسوريا، في حين أن استهداف حلب وضع تحت عنوان استهداف التنظيمات الارهابية وقطع الطرق التي تسهلها لها تركيا.
ويخشى المتابعون الديبلوماسيون في الموقف الاميركي تسليما يسعى حلفاؤهم الاوروبيون والاقليميون الى مقاومته، وقد خرج المنسق الدولي لسوريا ستافان دو ميستورا بعد اجتماعه بوزراء خارجية اوروبيين ليحذر من فرار نحو 400 الف شخص من حلب الى تركيا في حل عدم نجاح المفاوضات لإعلان الهدنة. يقول هؤلاء إن لدى الاميركيين هاجسا أساسيا يتمثل برغبتهم في خوض معركة الموصل من أجل تحريرها من تنظيم “الدولة الاسلامية”. وكان ثمة تحضير لهذه المسألة في حين يبدو ان لدى ايران والحكم في العراق اشكالية في تحريرها، لأنها يمكن أن تثير تحديات لا قِبَل لهما على مواجهتها في هذا الوقت. فهناك معلومات عن تراجع تنظيم “الدولة الاسلامية” وعدم تمدده وفق ما بات ملحوظا في الآونة الاخيرة، في حين أن تحرير الموصل يسقط ذريعة استخدام “داعش” من أجل عدم التحاور مع السنة ومن أجل مقاربة جديدة مع المكونات العراقية. ولا يستبعد هؤلاء أن يكون الجزء الكبير من الضياع والازمة اللذين شهدتهما السلطات العراقية يهدف الى إزاحة الاهتمام او الضوء عن تحرير الموصل، من خلال القول إن هذه السلطات ليست مستعدة راهنا لهذه المهمة التي قد تكون ادارة الرئيس باراك اوباما ملحة في شأنها، من اجل ان تشكل انجازا مهما له على صعيد توجيه ضربة قاصمة لـ”داعش” قبل نهاية ولايته. وينسحب المنطق نفسه على ضرورة استمرار “داعش” في سوريا، حيث تشكل الرقة عاصمة التنظيم او مركز قوته. فكما ان تحرير الموصل يفرض مقاربة جديدة بين المكونات العراقية الى جانب المكونات خارج الدولة، كالحشد الشعبي وما الى ذلك، فإن من المهم للنظام السوري كما لإيران، ليس استهداف الرقة، لأن “داعش” يبقى عدوا جيدا بالنسبة الى الرئيس السوري بشار الاسد، باعتباره يطيل عمره ما دام موجودا، والقضاء عليه يقصّر عمره. ولذلك فإن وجود داعش يخدم النظام لانه يظل يهدد باحتمال أن تقع سوريا في أيدي التنظيم الارهابي، لذلك لا يريد مراكز سلطة “داعش”، بل يريد حلب لانه متى استعادها، إذا استطاع الى ذلك سبيلا، تكتمل معالم ما يسمى سوريا المفيدة، بحيث يمكن ان يتخلى بسهولة عن استعادة المناطق السورية الاخرى من جهة، ويتمكن من جهة أخرى، في ظل استمرار الداعمين الروسي والايراني من ان يفرض خطوط تماس واضحة تحسن وضع النظام الذي هو في حاجة الى صراع دائم مبدئي مع “داعش” من اجل استعادة قوته وسلطته على المناطق التي سيطر عليها، وللتفاوض من موقع مختلف، أي موقع الممسك بسوريا المفيدة متى حان الحوار، وهو ما لم تكن عليه الحال قبل التدخل العسكري الروسي.