لبنان تجاوز في الانحدار درجة الدولة الفاشلة. وما قاد الى ذلك ليس تراكم الأخطاء بمقدار ما هو ادعاء الصواب وتكامل التشاطر والأنانيات واعتبار السلطة مجرد وسيلة لجمع المال وممارسة الوجاهة وخرق القانون. فلا ما يمنع الانهيار سوى الوظيفة الأخيرة للبلد، وهي تقديم خدمات منوعة يحتاج اليها أطراف الصراع الجيوسياسي في المنطقة وعليها. ولا ما يقال، من خارج المؤسسات، انه يحميه من مخاطر سوى ما يعرّضه الى مخاطر أكبر في اطار الطابع المذهبي الذي تأخذه الصراعات.
والتركيبة السياسية، مع استثناءات محددة، هبطت الى ما تحت خط الفقر السياسي في التنظير والممارسة، وخط الفقر الأخلاقي في مواجهة مشاكل مؤذية للجميع مثل مشكلة النفايات. ولا شيء يوحي أن هناك فرصة للخروج من أسر المعادلة القائلة: أنا أعطّل اذن أنا موجود وقوي، على طريقة ديكارت: أنا افكر اذن انا موجود. وهي معادلة تلغي السياسة تحت عنوان الحق في السلبية واعتبار ان تعطيل اللعبة الديقراطية ممارسة ديمقراطية.
حتى دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى الكف عن تبادل الاتهامات بالتعطيل والذهاب الى حوار جدي للتفاهم على ملء الشغور الرئاسي، فانها نوع من التسليم بأن الحوار الدائر ليس حتى الآن جدياً.
ذلك ان السيد نصرالله يرى أنه لا بديل في الوقت الحاضر ولا في المدى المنظور من طاولة الحوار. ولا مبرر، في رأيه، لانتظار أي تطور أو حوار اقليمي ودولي، لأن مفتاح الرئاسة في ايدي اللبنانيين وعليهم اغتنام الفرصة لاستخدام المفتاح. لكن الحوار الذي لا بديل منه هو عملياً البديل من المؤسسات. وليس فيه أي مقعد الا لمن له تمثيل نيابي، بما يحول دون مشاركة أي حزب أو تيار من خارج التمثيل النيابي، وما يجعل الذهاب الى جلسة نيابية أكثر جدوى. فضلاً عن انه ثرثرة فوق نهر الفساد من دون انتاج ومن دون متعة الفن في رواية نجيب محفوظ ثرثرة فوق النيل.
واذا أخذنا بتصنيف السيد نصرالله لجنود ولاية الفقيه بأنهم سادة ولخصومهم بأنهم عبيد، فان السؤال البسيط هو: اي معنى لحوار بين سادة وعبيد؟ واذا أخذنا بالوقائع وما فيها من غطرسة القوة وحتى غطرسة الضعف، فان التركيبة السياسية الفاشلة والعاجزة تتصرف على أساس أنها السادة والناس هي العبيد. وليس أخطر من الفشل سوى التسليم من جهة بأنه قدر، والرهان عليه من جهة أخرى.