يعتقد سياسيون انّ طاولة الحوار الوطني التي ستنعقد الاربعاء المقبل في ساحة النجمة بناء على دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري، قد لا يكون متيسّراً لها الاتفاق قريباً على انتخاب رئيس للجمهورية، نظراً الى التباعد الكبير السائد بين مواقف الافرقاء السياسيين حول هذا الاستحقاق، فضلاً عن غياب الرعاية الاقليمية – الدولية المعتادة لهذه العملية الدستورية في هذه المرحلة.
يرى هؤلاء السياسيون انّ المتحاورين اذا لم يتوافقوا على شخص الرئيس العتيد، فإنّ اهتمامهم سينصبّ على موضوع قانون الانتخاب بغية الاتفاق عليه والانطلاق منه الى انتخابات نيابية جديدة تُنهي عهد المجلس النيابي الحالي الممدّد له والمشكوك بشرعيته لدى البعض، وتحقّق اختراقاً مهماً في جدار الأزمة، لأنّ استمرار الخلاف على الاستحقاق الرئاسي لا يُنهيه الّا انتخاب مجلس نواب جديد يتولّى إنجاز هذا الاستحقاق في ضوء الاحجام والاوزان السياسية الجديدة التي تفرزها الانتخابات.
ويقول هؤلاء إنه في الازمات المشابهة التي تحصل في بلدان كثيرة، يتمّ اللجوء الى إجراء انتخابات نيابية جديدة مبكرة، لكَسر حلقة هذه الازمات، وتوفير الحلول اللازمة لها عبر اتفاق القوى السياسية التي تتكوّن من نتائج الانتخابات.
ولذلك، فإنّ المتفائلين من الافرقاء السياسيين، يؤكدون انّ الاتفاق على بند رئاسة الجمهورية، وهو المُدرج أولاً في جدول اعمال هيئة الحوار الوطني، سيتيح انتخاب رئيس جمهورية قبل نهاية السنة. امّا المتشائمون فإنهم يستبعدون ذلك قبل فصل الشتاء من السنة المقبلة ربطاً بالتطورات الاقليمية والدولية الجارية وما ستؤول اليه.
وفي انتظار ما ستشهده طاولة الحوار وما يمكن ان تؤول اليه فإنّ الحراك الشعبي في الشارع سيأخذ مداه، وستتكشّف خلفيات بعضه وابعاده ومراميه الفعلية أكثر فأكثر في ضوء ما يحوم من شبهات حول انتماءات وارتباطات بعض القيّمين عليه في الداخل والخارج على رغم انّ المطالب التي يرفعها المتظاهرون هي مطالب مُحقّة وتعبّر عن واقع حال الناس، وتكشف مدى الفساد المُستشري في الدولة.
ويرى المؤيّدون لـ«التيار الوطني الحر» انّ التظاهرة التي نظّمها أمس في ساحة الشهداء وسط بيروت «أعادت إنتاج الحضور العَوني بما لا يمكن تجاوزه في الصورة التي راهن عليها البعض، وأظهرت انّ عقبة عون الرئاسية أصبحت أكثر صلابة نتيجة هذا الاستفتاء الشعبي الذي اعترف الجميع بحشده الكبير، الخصوم منهم قبل الاصدقاء».
وقد قرأ المؤيّدون لعون في هذه التظاهرة جملة رسائل:
ـ رسالة شعبية من العيار الثقيل موجّهة الى جلسة الحوار في 9 ايلول الجاري، بحيث سيدخل عون اليها وأولويته الانتخابات النيابية.
ـ رسالة الى الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 آب الفائت مفادها انه لا يمكن إدخال «التيار الوطني الحر» في منظومة الفساد بالسهولة التي يتصوّرها البعض.
ـ الرسالة الأهم هي لمَن يأمل في انتخاب رئيس توافقي في الشهرين المقبلين ومفادها انّ تجاوز العقدة العونية للوصول الى هذا الرئيس باتَ أصعب ممّا كان متوقعاً.
ويضيف هؤلاء المؤيدون «أنّ هذا الحراك هو أوّل استفتاء عوني داخلي على «توريث» الوزير جبران باسيل قيادة «التيار الوطني الحر»، ولَو بصيغة التزكية».
كذلك يرون «انّ «التيار» أدخل في تحرّكه امس عنصراً جديداً ومهماً الى معادلة الساحات، بحيث انه لم يعد سهلاً على الخصوم تجاوز «اللون البرتقالي»، وانّ الحراك العوني وذهابه الى التحدّي الشعبي في هذا التوقيت بالذات هو نقطة ستسجّل لعون وليست عليه».
ويقول المؤيّدون إيّاهم ايضاً انه في ضوء دينامية الوقائع الداخلية المتدحرجة والسريعة في هذه الايام، فإنّ الانظار ستتجه تلقائياً الى ما ستشهده جلسة الحوار الوطني الاربعاء المقبل، خصوصاً أنّ القيّمين على «الحراك الشعبي» الذي بدأ في 22 من الشهر الماضي حددوا اليوم نفسه للانطلاقة بفصل جديد من التصعيد ربطاً بموعد الحوار الذي حدّده رئيس مجلس النواب، وهذا الموعد ليس واضحاً بعد ما اذا كان تحدياً للحوار او استفزازاً للطبقة السياسية، فيما المنطق الطبيعي يشير الى انه سيكون تحدياً للاثنين معاً.
وفي ضوء هذه المعطيات يرى سياسيون انّ استهداف القيّمين على «الحراك الشعبي» لوزير البيئة محمد المشنوق هو أقل كثيراً في القدرة على التأثير في الواقع قياساً على استهدافهم طاولة الحوار التي دعا اليها بري، إذ لن يكون مسموحاً لهؤلاء ولا لأيّ حراك آخر تعطيل الحوار، خصوصاً بعدما تبيّن، إثر التظاهرة العونية أمس، انّ الحراك الشعبي عابر للطوائف والساحات، وانّ هناك قوى شعبية حقيقية لا يمكن شطبها، وخير مثال الحشد الكبير لحركة «امل» الأحد الماضي في ساحة عاشوراء وجوارها في النبطية لمناسبة الذكرى الـ37 لتغييب الامام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، وكذلك تظاهرة «التيار الوطني الحر» الحاشدة في وسط بيروت أمس.
ولذلك، فإنّ هناك مَن يعتقد انّ الدعوة الى الحوار هي في جانب منها محاولة امتصاص للحظة الراهنة، الى جانب اجندتها المهمة المتضمّنة ملفات كبرى اذا نجح المتحاورون في الاتفاق عليها ستنقل البلاد الى آفاق والخروج من الازمة، وهو ما يراهن عليه رئيس مجلس النواب بقوّة لأنه يؤكد دوماً ان لا سبيل الّا الحوار لإيجاد الحلول لهذه الازمة، وهو ما يجده ايضاً السبيل اولاً وأخيراً لكلّ الازمات التي تعصف بعدد من دول المنطقة من سوريا الى العراق والبحرين وصولاً الى اليمن.
وفي هذا السياق يؤكد بري أمام زوّاره انه يرى انّ اولوية المتحاورين ينبغي ان تكون موضوع رئاسة الجمهورية، ولكن لا مانع لديه من البحث في مواضيع اخرى في جدول اعمال الحوار اذا ارتأى المتحاورون ذلك.
ويقول إنّ هذا الجدول ليس قرآناً وفي امكانهم مناقشة ايّ بند من بنوده من دون التزام مُندرجاته المحددة في نص الدعوة الموجهة اليهم لحضوره، اذ يمكنهم البحث في بنود دعم الجيش والقوى الامنية وقانون الانتخاب وغيره إذا ارتأوا، ولكن في حال الاتفاق على بند رئاسة الجمهورية فإنه سيؤدي الى توافق تلقائي على بنود أخرى بلا نقاش طويل فيها.