IMLebanon

أي ابتعاد للبنان عن الصراعات الخارجية؟

حكومة استعادة الثقة محكومة بالانتقال من نيل الثقة النيابية الى نيل الثقة الشعبية. الأولى كان رأسمالها سحر البيان وقوة المحاصصة، فجاءت سريعة وكبيرة، وسط ظاهرة لافتة هي حجم الغياب النيابي عن جلسة الثقة. ولا يبدّل في رمزية المشهد كون الغائبين موزعين بين ممثلين في الحكومة ومعترضين عليها ومحتجين بالسفر. والثانية تحتاج الى وقت وجهد وممارسة عملية للالتزامات وتحقيق مشاريع والتفات جدّي، لا كلامي، الى قضايا الناس. ولا مجال لتجاهل المسافة الفاصلة بين تفاهم القيادات على المصالح من فوق وبين ما يرضي الذين تحت حتى من أنصار القيادات وبالطبع من المجتمع المدني والشباب.

ولا بأس في التحايل على الأمور الصعبة بالصياغات اللغوية. إذ بدل ترابط البيان والتبيين حسب عنوان كتاب للجاحظ، يتم استخدام اللغة في البيان الوزاري للهرب من التبيين. هكذا تبدو المسائل المختلف عليها كأنها محل اتفاق. وهكذا مثلا يتم ارضاء المحتجين على سياسة النأي بالنفس باختيار تعبير الابتعاد عن الصراعات.

والسؤال البسيط هو: ما الفارق الفعلي بين النأي بالنفس عن صراع المحاور الاقليمية حسب الصيغة المعتمدة منذ حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وبين ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية؟ والسؤال الأبسط هو: كيف نمارس يوميا بالمواقف والقرارات سياسة الابتعاد عن الصراعات؟ كيف يمكن الجمع بين ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية وبين واقع انفتاح اللبنانيين على تلك الصراعات وانخراط بعضهم فيها سياسيا وعسكريا؟ ماذا عن دور حزب الله عسكريا في حرب سوريا الى جانب النظام، ومواقف أطراف أخرى سياسيا مع المعارضة ضد النظام؟ أي ابتعاد للبنان عن الصراع في سوريا وعلى أرضه أكثر من مليون ونصف مليون نازح سوري، بعضهم ناشط وليسوا جميعا من النساء والأطفال؟ ماذا عن الظاهر، قبل المخفي، من التصرف كأن صراع المحاور الاقليمية له ملاحق عندنا، ولا سيما الصراع بين طهران والرياض؟

الأجوبة معروفة طبعا. لكن البعض يحاول تلطيف الأمور بالقول ان انقسام اللبنانيين المفتوح على الصراعات الاقليمية لم يمنعهم من الحفاظ على حد معقول من الاستقرار في الوطن الصغير الذي تشتعل النيران من حوله. والبعض الآخر يرى ان ما يمنع الانفجار في لبنان هو حاجة القوى الخارجية الى خدمات يقدمها لها، وخوف أوروبا من تدفق النازحين السوريين الى بلدانها. وهذا ما نسميه المظلة الاقليمية والدولية.

في ختام النقاس اعترف الرئيس سعد الحريري بأن التسوية لم تحجب خلافات باقية بين أركان السلطة حول السلاح وقانون الانتخاب. لكن المشكلة ان المتفق عليه عادي، والمختلف عليه أساسي واستثنائي.