أي جديد يمكن أن تأتي به زيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون للبنان، وهل تكون هذه الزيارة أكثر تأثيراً من تقاريره التي يكرر فيها، ومنذ سنوات، المطالبة بحل مشكلة سلاح “حزب الله” وتنفيذ القرارين 1559 و1701؟
الواقع أن قرارات مجلس الأمن الدولي لو أنه تم تنفيذها تنفيذاً دقيقاً كاملاً لما ظلّت القضية الفلسطينية سنوات طويلة بلا حل، ولا أزمة الشرق الأوسط ظلّت بلا حل تحقيقاً لسلام شامل في المنطقة، ولا ظل جزء من الأراضي اللبنانية تحتله اسرائيل. ولو أن لبنان استطاع تنفيذ القرارات الدولية الخاصة به لكان ينعم اليوم بالاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي الدائم، ولا سيما تنفيذ القرار 1701 الذي تحقق فيه بصورة فعلية بند وقف العمليات العسكرية في الجنوب اللبناني مع اسرائيل ومن دون التوصل إلى تحقيق هدنة دائمة، يسبقها ترسيم حدود بين لبنان وسوريا ينهي النزاع حول ملكية مزارع شبعا، وبانهاء هذا النزاع يصير في الإمكان مطالبة اسرائيل بالانسحاب منها ليصبح ما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة محرراً، فتسقط عندئذ ذريعة “حزب الله” لحمل السلاح من أجل مقاومة الاحتلال… وهل تساعد زيارة بان كي – مون على وضع القرار 1701 موضع التنفيذ كاملاً ليعود الوضع في لبنان الى طبيعته ولا يعاني أزمات كتلك التي يعانيها وأهمها أزمة انتخاب رئيس للجمهورية وأزمة النازحين السوريين؟
لقد وجّه الأمين العام للأمم المتحدة عام 2012 رسائل تحذير شديدة اللهجة الى النظام السوري والى “حزب الله” في تقريره حول القرار 1559، فاعتبر انه “على رغم كون الحزب فريقاً سياسياً في الائتلاف الحكومي في لبنان، إلا أنه يقوض سياسة النأي بالنفس التي يتبناها لبنان الرسمي، وان اعتراف “حزب الله” بامتلاك ترسانة أسلحة منفصلة عن الدولة، وأنه يسعى لأن يستمر في ذلك يشكل تحدياً صارخاً للقرار 1559″. وأبدى بان كي – مون في تقريره “قلقه العميق من جرّاء الخطر المتمثل باحتفاظ الحزب بقدرات عسكرية متطورة خارج سلطة الحكومة اللبنانية لأن ذلك يخلق جواً من الترهيب في البلد ويشكل عامل تحدٍ لسلامة المواطنين اللبنانيين”. ودعا الحكومة اللبنانية الى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع “حزب الله” من امتلاك أسلحة وقدرات عسكرية خارج سلطة الدولة، مناشداً الدول الاقليمية، وخصوصاً سوريا وايران، تشجيع تحوّل “حزب الله” الى حزب سياسي فقط ونزع سلاحه. وشجّع القادة اللبنانيين على “استكمال مسار الحوار الوطني لحل مسألة سلاح حزب الله لأنه الوسيلة الفضلى لمعالجة هذه المسألة، علماً أنه لا يمكن تحقيق تقدم كبير في هذا المجال إلا اذا توقفت الدول الاقليمية عن دعم الحزب عسكرياً، وعلى تطبيق القرارات التي اتخذها الحوار الوطني ولا سيما منها ما يتعلق بالقواعد الفلسطينية المسلحة خارج المخيمات”.
وفي تقريره الأخير الذي نوقش في مجلس الأمن قبل أيام، أشار الى أن سلاح “حزب الله” “لا يوفر الحماية للبنان كما يدّعي بل يقوض حكم القانون ويشكل تهديداً خطيراً للسيادة والاستقرار”، معتبراً أن “الأسلحة التي يمتلكها الحزب وجماعات أخرى مسألة ينبغي معالجتها بالحوار الوطني وبمجرد انتخاب رئيس للجمهورية”. وكرّر المطالبة بتنفيذ القرارات السابقة للحوار الوطني، لافتاً الى أن كلاً من “حزب الله” واسرائيل “خرقا القرار الدولي الرقم 1701 أكثر من مرة، وان الأسلحة خارج سيطرة الدولة اللبنانية تتناقض مع التزامات لبنان بموجب القرارين 1559 و1701”. وأعرب عن شعوره بالقلق البالغ ازاء استعداد “حزب الله” لاستخدام قدراته العسكرية في انتهاك للقرار 1701، محذراً من أن “أسلحة الحزب المتطوّرة تثير الصراع وستكون عواقبها خطيرة جداً على لبنان والمنطقة.
لا شك في أن تقارير الأمين العام للأمم المتحدة تكرّر نفسها من دون أن تغير شيئاً في الوضع المشكو منه لأن لبنان راغب في تغييره لكنه غير قادر والدول القادرة غير راغبة وإلا لاستطاعت فرض تنفيذ قرارات مجلس الأمن كي يستعيد الشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وتكون له دولة قابلة للحياة تحل بقيامها مأساة اللاجئين الفلسطينيين، ولا يعود بالتالي مبرر لحمل السلاح بحجة مقاومة اسرائيل، وإلا استمرت الدول الاقليمية في مدّ الأحزاب بالسلاح وإن اختلفت الأهداف والغايات، ولما كان السوريون واجهوا مأساة النزوح واللجوء لو أن المجتمع الدولي أسرع في حل الأزمة السورية.
لذلك فأن الحوار الوطني الذي يكرر الأمين العام للأمم المتحدة الدعوة اليه لمعالجة سلاح “حزب الله” وكل سلاح غير شرعي خارج الدولة، لا جدوى منه إذا لم تدعم الدول الشقيقة والصديقة للبنان هذا الحوار، ولا سيما إيران التي لا تهتم بقرارات مجلس الأمن إذا لم تكن في مصلحتها ولا بالعقوبات التي فرضت عليها، بل بتسوية تحفظ مصالحها، فهل يستطيع بان كي – مون أن يمون على الدول المعرقلة لانتخاب رئيس للبنان أكثر مما يمون عليها لتنفيذ القرارات الدولية؟!