Site icon IMLebanon

أي خيارات لـ”حزب الله” في الميدان السوري بعد قرار بوتين بسحب الجزء الأكبر من قواته من هناك؟

سواء كان “حزب الله” على علم مسبق بالقرار المدوّي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين سحب الجزء الاكبر من قواته الجوية المتمركزة في سوريا، ام انه فوجئ بالخبر، فالنتيجة واحدة وهي ان ثمة تطورا دراماتيكيا في الميدان السوري الساخن لا بد من ان يشبع نقاشا ودرسا واستنتاجا ليبنى على الشيء مقتضاه.

وسواء كان هذا القرار عبارة عن مناورة ذكية ارادها القيصر الروسي لإحراج الخصوم والمعارضين او لإغوائهم ام انه قرار جدي ما بعده يختلف عما قبله، فان هذا العنصر المستجد ذا الصدى والوقع امر ليس بامكان الحزب تجاهله والتعامل معه كأن شيئا لم يكن.

“حزب الله”، كما صار ثابتا، هو شريك اساسي في تفاصيل الميدان الملتهب منذ ما يناهز العامين ونصف العام، وقد دفع اليه بأعداد يعتد بها من نخبة قواته المحترفة، فضلا عن انه دفع فيه حتى الان ما يقارب الـ 900 من خيرة كوادره ومقاتليه. لذا فانه (اي الحزب ) معني ايضا مباشرة بما يمكن ان ينجم عن هذه الخطوة الروسية من تداعيات ونتائج سواء اتصفت بالسلبية ام اتسمت بالايجابية.

ولان هذه الخطوة كان لها هذا الوقع وهذا الكم من الصدى، تقرر ان يظهر الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله شخصيا ومن دون مناسبة عزيزة على الحزب في اطلالة حوارية متلفزة الاثنين المقبل ليلقي الاطمئنان في قلوب المتوجسين والمرتابين من جهة، وليسلط الاضواء على خلفيات هذه الخطوة وأبعادها، وفاتحة اي عهد جديد في الصراع يمكن ان تكون من جهة اخرى.

لم يعد خافيا ان الحزب والمحور المنضوي فيه هما من ساهما في تعزيز اقتناع موسكو بالمبادرة الى تقديم اسناد جوي لحليفها التاريخي النظام السوري عندما كانت قواته بأمسّ الحاجة الى هذا الدعم، لا سيما بعدما اوشكت الحرب هناك ان تصير ستاتيكو وخطوط تماس على غرار ما آلت اليه الحرب اللبنانية في عاميها الاولين، خصوصا ان الكثير من هجمات القوات السورية مع الحلفاء اخفقت في الآونة الاخيرة في تحقيق انجازات ميدانية يعتد بها من شأنها ان تغير في المعادلات.

فعندما اعلنت موسكو انها حزمت امرها وعزمت على الدخول عسكريا ومباشرة في الميدان قبل نحو خمسة اشهر ونصف شهر، سرت في حينه معلومات فحواها ان القرار الروسي المفاجئ والجريء الى حد المغامرة انما اتى بعد زيارة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني اللواء قاسم سليماني الى العاصمة الروسية حيث وضعت اللمسات الاخيرة على هذا الدخول.

هذه المعلومات اوحت للمراقبين يومذاك بثلاثة استنتاجات:

– ان طهران التي انهكها الميدان السوري الى حد العجز عن حسم يعتد به قررت تسليم اوراقها الى موسكو بما ينطوي عليه ذلك من دلالات استراتيجية.

– ان موسكو اتخذت قرارا كبيرا لم تتخذه من ايام كانت امبراطورية قيصرية او بلشفية.

– ان على الجميع انتظار تحولات ميدانية حاسمة وسريعة لمصلحة النظام وحلفائه في دمشق.

بناء على كل هذه المعطيات بدأ جمهور “حزب الله ” يتسقط اخبار التقدم السريع وتحرير مناطق من يد المعارضة كانت في حكم المستعصية عليه، وخصوصا في ريفي اللاذقية وحلب المتاخمتين للحدود التركية حيث مصدر الدعم قريب ومستمر، وكل ذلك بفعل القصف الروسي الدقيق.

ومع هذا التحول بدأت اوساط قريبة من الحزب تتحدث بثقة اكبر عن وقت قصير يفصل عن ساعة الحسم في الميدان السوري. الى هذا الحد العالي انتعشت الآمال والى هذا المستوى الرفيع تضخمت الرهانات والحسابات، خصوصا ان عاصمة القيصرية دخلت في تحد كوني وادخلت الى الميدان السوري اسلحة ومعدات عالية التقنية والتطور واكثرها يظهر للمرة الاولى وتختبر فاعليته.

وعليه ظهر من سارع الى الحديث عن عهد جديد في المنطقة مبتدأه الحدث في سوريا وتتمته المستجدات في العراق واليمن.

لم يكن قرار بوتين الاخير هو من خيّب آمالا وخفض منسوب رهانات وتوقعات لانجاز مفصلي وشيك، فقرار وقف النار الصامد منذ نحو ثلاثة اسابيع، على رغم بعض الخروق، كان وفق معلومات موضع تباين بين القيادة الروسية من جهة وبين النظام في دمشق وايران وحلفائهما من جهة اخرى، فالمحور الثلاثي الاخير افصح عن رغبة تعتمل لديه في تأجيل ذلك الى حين تطور يفضي الى إحكام الطوق حول المسلحين في حلب وقفل الحدود السورية – التركية تماما مع انجازات ميدانية اخرى من شأنها ان تكون اوراق قوة وان تسحق المسلحين. لكن الروس ابلغوا من يعنيهم الامر من الحلفاء انهم لا يريدون الذهاب الى حد الكسر مع الاميركيين وان لهم حسابات ومصالح ابعد واعقد.

القيادة السورية لا تترك مناسبة الا تؤكد فيها ان قرار الانسحاب الروسي كان منسقا معها وانه لا يعني اطلاقا ادارة موسكو ظهرها ومغادرة الميدان. لكن ذلك على بلاغته لا يسقط فرضية ان لدى الحلفاء وتحديدا “حزب الله” توجسات ومخاوف تتصل بما بعد القرار، خصوصا اذا صحّت فرضية ان القرار ينطوي على تباين بين موسكو ودمشق حيال الكثير من الملفات والرؤى.

وكان بديهيا ان يستغل خصوم دمشق والحزب الموقف وينشروا تكهنات عن قرب اوان عودة “حزب الله” من الميدان السوري لان ما بعد الانسحاب الروسي هو غير ما قبله بحسابات التوازنات العسكرية والمعادلات السياسية، وهو امر يبدو ان قيادة الحزب مضطرة لان تدحضه من جهة وان تقدم لقواعدها رؤية لخريطة طريقها المقبلة في الساحة السورية تعادل الرؤية التي قدمتها لحظة قررت الانخراط في الميدان السوري، كون البقاء هناك امرا وجوديا واستراتيجيا كما كان قرار الذهاب الى ذلك الميدان المشتعل تحت شعار اننا سنكون حيث يجب ان نكون وهو شعار ينطوي على احتمالات مفتوحة وتحديات بالغة.

في أي حال لا تخفي الدوائر المعنية ميزات التدخل الروسي على قصر مسافته الزمنية وما احدثه من تحولات جذرية وانتصارات جدية، وتستند الى ذلك لتخلص الى القول بانه يتعين المضي قدما في الخيار الذي عدّه البعض في حينه مغامرة كبرى.