IMLebanon

أي خيارات ستفرض نفسها في قضية العسكريّين المخطوفين الأسبوع المقبل؟

هل تفجر مسألة الآلية المفترض أن تلجأ إليها الحكومة لضمان إطلاق العسكريين الذين تحتجزهم المجموعات الإرهابية في جرود عرسال منذ 2 آب الماضي، ومسألة تشديد الجيش إجراءاته وتدابيره على ما تبقى من معابر مفتوحة بين عرسال وجرودها لضمان قطع آخر شرايين الامداد لمسلحي المجموعات التكفيرية؟

السؤال لا ينطلق من فراغ أو فرضية، اذ أن ثمة بوادر ومقدمات أملت إثارته والتعامل معه على أساس أنه الحدث الأبرز بعد عودة رئيس الحكومة تمام سلام من زيارته الى باريس.

البوادر والمقدمات متعددة يأتي في مقدمها:

– المحاولات الدؤوبة التي قامت بها “هيئة العلماء المسلمين” لتسويق نفسها وسيطاً في قضية العسكريين المخطوفين وملء الفراغ الناتج من انسحاب الوسيط القطري تحت سقف شروط جديدة منها الحصول على موافقة رسمية والتعهد المسبق باخلاء النسوة المحتجزات أخيراً في بيروت.

– السجال الخافت الذي تبدّى في اليومين الماضيين بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط على خلفية قول جنبلاط أمام أهالي المخطوفين في ساحة رياض الصلح إن رئيس المجلس متضامن معه في مبدأ المقايضة غير المشروطة لضمان إطلاق جميع العسكريين لدى “النصرة” و”داعش”، وهو أمر ما لبث بري أن ردّ عليه برسائل اعتراض جلية.

– صدور أصوات عالية من “تيار المستقبل”، أبرزها أتى على لسان زعيمه الرئيس سعد الحريري وينطوي على تحذير من حصار مفروض على بلدة عرسال.

كل هذه الوقائع والمعطيات تتكوكب حول قضية واحدة ناجمة بالأصل عن تداعيات هجمة الإرهاب الشرسة على الحدود اللبنانية الشرقية سعياً منه الى فرض تأثيرات على قرار الحرب والسلم في الداخل اللبناني، وجعل هذا الداخل أسير ردود فعل مربكة ومرتجلة على فعله المدروس والموجع.

واذا كانت المعلومات المتوافرة حتى الآن تشير الى أن “هيئة العلماء” أنهت دورة اتصالاتها ولقاءاتها مع جهات معنية بغية تسويق وساطتها وعرضها المقترح للشروع بهذه الوساطة في انتظار أن يتهيأ لها ما يحقق حلمها القديم بأن تكتسب صفة الوسيط الرسمي المطلق اليدين في مسألة ظهرت في صدارة مسرحها منذ نشوئها حالة بالغة الحراجة في 2 آب المنصرم فإن ثمة معلومات أخرى أفادت أن الهيئة استشعرت بأن هناك حركة اعتراضية قوية على اندفاعتها لانتزاع مشروعية دور الوسيط في أوساط وازنة، وأن ثمة من بدأ يبحث جدياً عن وسيط ثالث غيرها وغير الشيخ مصطفى الحجيري (أبو طاقية) الذي احترقت أوراقه مراراً على نحو صار مستبعداً مجدّداً أي مهمة تفاوضية جديدة، وأن الأنظار بدأت تتجه نحو أحد زعماء العشائر العربية المتوزعة في سوريا ولبنان، خصوصاً أن ثمة صلات تربطه بكل الأطراف اللبنانيين، فضلاً عن علاقات تجمعه ببعض رموز المجموعات الإرهابية الخاطفة في القلمون السورية.

واذا كان الرئيس بري لم يستطع أن يظل صامتاً حيال الموقع والموقف الذي حاول حليفه ان يأخذه إليه في مسألة بالغة الحساسية ولها ذيول وتبعات وتشعبات، فإن جنبلاط آثر في المقابل ألا يعمّق السجال مع بري، لكنه أبرز لمن يعنيهم الأمر أنه ماض قدماً في خط سيره المعلوم حيال هذه القضية مهما كانت الأثمان غالية، وإطلاق جميع من يطالب الارهاب باطلاقهم حتى لو ثبت تورطهم في عمليات ارهابية في الضاحية الجنوبية وسواها، فالأولى عنده الآن أن يُطلق المخطوفون وبينهم العسكريون الدروز الثمانية حتى لا يكون قتل أحدهم ذبحاً أو إعداماً فتحاً لباب فتنة عمل جنبلاط جاهداً ومنذ زمن بعيد على ألا يأتي يوم ويفتح فيه. لذا فالمناخات الموجودة لدى حركة “أمل” و”حزب الله” تشي بأن زعيم المختارة مستعد للذهاب الى أقصى الحدود لتأمين إطلاق العسكريين المخطوفين حتى لو أدى ذلك الى اهتزاز في علاقته بالطرفين الشيعيين.

في غضون ذلك راجت في الآونة الأخيرة تكهنات في أوساط معنية بينها أوساط على صلة بقيادة المؤسسة العسكرية عن أن “تيار المستقبل” سيكتفي بالموقفين اللذين أطلقهما أخيراً وحذّر فيهما من حصار عرسال لأنه لا يستطيع السير في هذا الأمر وجعله بمثابة حملة اعلامية يومية، فالجيش لا خيار أمامه الا المضي قدماً في كل اجراءاته على المعابر المفضية الى الجرود الشرقية ومنها جرود عرسال لاعتبارات تتصل بالرد على عملية اعدام العسكري علي البزال وعلى انهيار المفاوضات مع الجهات الخاطفة من جهة، ولأن الجيش يقيم على حصيلة رصد وتقص ترجح فرضية أن يبادر الإرهاب الى ضربة ما على غرار ضربته الأخيرة في جرود رأس بعلبك، لا سيما بعد المعلومات عن توجيه زعيم “جبهة النصرة” انذاراً الى جميع المسلحين في القلمون والجرود بإعلان الولاء لتنظيمه من جهة أخرى، فضلاً عن أن المعطيات على الأرض تدحض فرضية الحصار على عرسال.

في أي حال ليس ثمة وقائع ودلائل توحي بأن هناك من هو مستعجل لإحداث تغييرات نوعية وخروق دراماتيكية في المشهد الجامع بين الوضع الميداني في عرسال وجرودها وبين قضية العسكريين المخطوفين، اذ ان الأمور مرشحة لمزيد من المراوحة في المشهد الذي ارتسم في الأشهر الأربعة الأخيرة مع فارق نوعي أساسي هو أن الجيش لا يمكنه التراجع عن تدابيره وإجراءاته المتصاعدة لأن أي تهاون سيكون له صدى بالغ السلبية خصوصاً بعد الضربة الموجعة التي تلقاها أخيراً في جرود رأس بعلبك وأدت الى استشهاد سبعة عسكريين.