تدل الدعوات المتتالية إلى وقف الإتهامات السياسية حول المسؤولية في موضوع العسكريين الذين قتلهم تنظيم «داعش» الإرهابي بعد خطفهم في عرسال، على أن الشكوك تتزايد في التحقيق الذي انطلق في سياقه القضائي، والذي يتزامن مع سياق سياسي لا ينكره أي من المراجع والقيادات الرسمية والحزبية، كما الدينية. وفي هذا المجال، تقول مصادر وزارية سابقة، ان ما يسجّل في الأسبوعين الماضيين من توظيف سياسي لجريمة قتل العسكريين الشهداء، قد استدعى عدة ردود لم تقتصر فقط على الرئيس تمام سلام، بل شملت رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس سعد الحريري ومجلس المطارنة الموارنة، وصولاً إلى شخصيات سياسية عديدة، أكدت على وجوب عدم إدخال هذه القضية في سجالات تنذر بتحويلها إلى عملية تصفية حسابات بين القوى السياسية قد تؤدي إلى مضاعفات لا يمكن توقّعها أو حتى احتواؤها متى انطلقت.
وقالت هذه المصادر، أن الإحتفال بالإنتصار على الإرهاب يوم الخميس المقبل، سيشكل مناسبة للمزيد من الكلام السياسي حول استشهاد العسكريين على يد الإرهابيين، ولكن من زاوية استيعاب أي خلافات أو توتّر على خلفية التحقيقات القضائية التي بدأت بوتيرة متسارعة. وأكدت أن الحديث عن تجنّب الفتنة الطائفية أو المذهبية في لبنان، بدأ يعود بقوة إلى الواجهة، معتبرة أن من شأن أي خطاب يحمل طابع الفتنة أن ينعكس بشكل كارثي على التسوية السياسية القائمة، كما على حكومة الوحدة الوطنية التي تمكنت حتى اليوم من الصمود في وجه كل الأعاصير التي ضربتها على المستويين الداخلي والخارجي.
وفي هذا المجال، فقد نبّهت المصادر الوزارية السابقة نفسها، الى أن الإنتصار بات في مهبّ التوظيف السياسي والمزايدات، وصولاً إلى الإستثمار لتحقيق مصالح خاصة، وشدّدت على وجوب دعم كل الجهود الهادفة للوصول إلى كشف كل المعطيات الميدانية المحيطة بهذه الجريمة التي أصابت الوطن بكل شرائحه الطائفية والمذهبية، وليس فقط المؤسّسة العسكرية. وبالتالي، فإن أي كلام عن نشر محاضر جلسات مجلس الوزراء والوثائق الأمنية المرتبطة بأحداث عرسال التي حصلت في العام 2014، يجب أن يشكل خارطة طريق في عملية تحديد المسؤوليات الفعلية كما تقول المصادر ذاتها، والتي اعتبرت أن ما من إشكالات على صعيد الوثائق، الأمر الذي يجعل من هذه العملية موضوعية وعادلة، وبعيدة عن السياسة بشكل كامل. لكنها وجدت أنه من الصعب الفصل بين الظروف السياسية التي أحاطت بتلك المرحلة، اذ ان الشغور الرئاسي فرض أن تتولى الحكومة مجتمعة مسؤولية الحكم، ووضع الوزراء كلهم أمام مسؤولية اتخاذ القرارات المصيرية من خلال الإجماع.
واستدركت المصادر الوزارية السابقة نفسها، مشدّدة على وجوب البدء بالتحقيق وعدم إضاعته وسط الحملات والإتهامات السياسية والحسابات الشخصية، وذلك للوصول إلى الحقائق كاملة قبل توجيه أي اتهام، أو التفتيش عن «كبش محرقة» كما أعلن بيان مجلس المطارنة الموارنة، الذين رفضوا أن يتم الإكتفاء فقط بإطلاق الإتهامات السياسية من دون التحقيق الكامل والجدي والعلمي مع كل الأفرقاء المعنيين في حينه.