في بعض الاوساط السياسية المساهمة في طبخة التسوية الرئاسية الرامية الى انتخاب النائب سليمان فرنجيه رئيساً، من يجزم أن التسوية تمر حالياً بفترة المخاض الأخير التي تسبق الولادة، مع تأكيدها أن الولادة ستتم عاجلا أو آجلا، وإن لم تكن طبيعية فبالولادة القيصرية.
لا تأخذ هذه القراءة في الاعتبار الموقف المسيحي على ضفتي القوى الأكثر تمثيلاً للطائفة، بل تعتبر أن الأوان قد فات لهذه القوى كي تعبر عن اعتراضها على ترشيح فرنجيه بعدما كانت التزمت في إجتماع الأقطاب في بكركي المرشحين الأربعة للرئاسة، والنائب فرنجيه من ضمنهم.
تلاحظ هذه الاوساط أيضاً ان الدكتور سمير جعجع والنائب ميشال عون يلتقيان عند معارضة ترشيح فرنجيه لكنهما لا يجمعا على اسم مرشح. فخلال التفاوض بين الرجلين، إقترح جعجع ترشيح شخصية ثالثة، لكن عون رفض متمسكا بترشيحه هو ما دام “حزب الله” لا يزال يؤيده.
أما محاولة جعجع التسويق لتوجه حزب “القوات اللبنانية” إلى ترشيح عون، فتدفع الأوساط المذكورة للتنبيه إلى أن هذا الترشيح لن يشق طريقه الى ساحة النجمة، لتعذر عقد جلسة انتخاب تفتقد الميثاقية في غياب المكوّن السني، الرافض لعون رئيساً!
وعليه، فإن البلاد محكومة في الأيام الفاصلة عن جلسة الانتخاب المقررة في ١٦ الجاري بالبقاء في حال ترقب ما ستسفر عنه الاتصالات وعملية إعادة التموضع الحاصلة، في انتظار الترشيح الرسمي من جهة والتأييد الرسمي والاعتراض الرسمي على السواء من جهة لرسم خريطة التوازن الجديد للقوى الذي سيحكم المرحلة المقبلة. وهناك مجموعة حقائق بدأت تتبلور بنتيجة ما أبرزته المواقف الأخيرة:
– إن الأجواء قبل عشرة أيام من الجلسة الانتخابية لا توحي أن إتمام الاستحقاق ممكن، بل إنه لا يزال مستبعداً.
– ان التناغم الدولي والتوجه العربي الداعم لإنجاز التسوية لن يكونا كافيين لإتمام الصفقة، ذلك ان الرزمة المتكاملة التي تشكل الرئاسة بنداً من بنودها لم تكتمل بعد، ولم تنضج فصولها، ولا تزال تحتاج الى المزيد من الوقت والتفاهمات.
– يعني ذلك ان جلسة ١٦ الجاري لن تكون حاسمة في إنتظار ما سيحمله الأسبوع الطالع من مواقف للقوى الأساسية المعنية في الجانب المسيحي، والتي لم تقل كلمتها بعد في التسوية. خصوصا ان كل المواقف التي سبقت المواقف الرسمية واهمها كلام رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والنائب “القواتي” أنطوان زهرا تؤشر إلى تصعيد من شأنه أن ينسف التحالفات السياسية ويطيح الاصطفافات التي حكمت البلاد منذ نشوء تحالفي ٨ و١٤ آذار.
– إن الكلمة الفصل لن تكون عند جعجع او عون بل عند “حزب الله”. قالها الرئيس بشار الأسد لفرنجيه عندما كاشفه بطلب الحريري لقاءه ونيته ترشيحه، وسمعها النائب طلال إرسلان عندما زار دمشق أخيرا. وقالها الحزب لزواره صراحة إن مرشحه لا يزال العماد عون، وهذا الموقف يشكل العائق الأخير أمام وصول فرنجيه الى قصر بعبدا.
– ما دام النقاش لا يزال ضمن البيت الواحد، والخيار بين حليفين تحت سقف هذا البيت، فإن الحزب لن يخرج عن إلتزامه عون إلى جانب ما دام “الجنرال” لم يتراجع عن ترشحه.
– ان الكلمة في لبنان لم تعد لسوريا بل لإيران والحزب تحديدا. بحيث لا يمر شهران الا يزور لبنان مسؤول إيراني، وعليه، فإن موقف الحزب يتوقف على مدى استعداد طهران للضغط من أجل السير بفرنجيه رئيساً على حساب عون. ولعل هذا ما يفسر النبرة العالية التي تحدث بها باسيل قبل يومين.
– إن فريق ١٤ آذار انتهى عمليا كفريق عابر للطوائف والانتماءات، ولا يستبعد نشوء جبهة مسيحية جديدة عمادها عون – جعجع تشكل المعارضة المقبلة في وجه الترويكا العائدة الى الحكم.
وتخلص الاوساط السياسية الى القول إن ما يعزّز حظوظ فرنجيه في بلوغ الرئاسة انه وُضع ضمن معادلة تشترط في مقابل التسوية سقوط “الطائف”.