IMLebanon

أيّ رئيس لأيّ جمهورية؟

تنص المادة التاسعة والاربعون من الدستور اللبناني على ان “رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ورمز وحدة الوطن”، ما يعني اليوم ان الدولة بلا رأس والوطن منقسم على ذاته منذ ما يقارب العشرة أشهر.

كذلك ورد في المادة الخمسين ما حرفيته: “عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم في لبنان عليه ان يحلف امام البرلمان”… أي يقسم اليمين الدستورية. أما اللافت في النص فهو ورود كلمة “أزمة”، وتعني زمام ومقاليد، لكن التشابه اللفظي مع عبارة “أزمة الحكم” والأزمات التي أثقلت كاهلنا في العقود الاخيرة، جعلنا نشعر بأن كل رئيس جمهورية في لبنان معرّض لممارسة إدارة الأزمات!؟

اما عن الترشح لرئاسة الجمهورية فماذا في المادة التاسعة والاربعين من الدستور؟ “لا يجوز انتخاب احد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزاً الشروط التي تؤهله للنيابة وغير الممانعة لأهلية الترشيح”، مما يعني عملياً انعدام وجود آلية دستورية للترشح للمقام الاول في الدولة اللبنانية، ولا شروط محددة على أيّ مرشح محتمل، وهذا ما يشكل خللاً في المواد المشار اليها. فلماذا لا يترشح الطامحون الى رئاسة الدولة على اساس برنامج رسمي مبني على نظرة شاملة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والبيئة… برنامج رؤيوي يتناول مشاركة المرأة ودور المجتمع المدني والجمعيات الأهلية ودور الشباب ورأي المرشح بالدولة المدنية؟…

وهنا لا بدّ من ضرورة ان يعمد كل المرشحين الى التقدم ببرنامج للحكم، على ان يلتزم المرشح تنفيذه ويتم اختياره وفق هذا البرنامج الانتخابي.

أما كيف يتم انتقاء الرئيس لانتخابه، فهذا شأن آخر، خصوصاً في بلد كلبنان تتعقّد فيه الخريطة السياسية وتتشعب وتنقسم عمودياً وأفقياً ورسمياً وشعبياً.

لقد مرّ لبنان سابقاً في فترات من الشغور الرئاسي، لكن الخطورة اليوم تكمن في المحيط المشتعل والمرتبك، وفي الانقسام والتشرذم، وفي التهديد الوجودي غير المسبوق للبنان الصيغة والعيش الواحد.

السؤال المطروح، اي ظروف اصعب مما نمرّ فيه تحتّم انتخاب رئيس للجمهورية؟ وهل ينتظر من ينتظر اندثار الوطن؟!.

لبنان الارز، اي آلاف السنين من التاريخ والعراقة… لبنان الرسالة، رسالة التناغم والتآخي بين الديانات السماوية الى العالم اجمع، لبنان جبران خليل جبران، وسعيد عقل، وصبحي الصالح، ومايكل دبغي، وعبدالله العلايلي، وكارلوس سليم، وابرهيم عبد العال، وهاني فحص، ووديع الصافي وفيروز… وتطول اللائحة ولا تنتهي!…

لبنان المقاوم، لكل الاحتلالات ماضياً وحاضراً…

نسمع الجميع يطالبون بضرورة انتخاب رئيس وحتمية وإلزامية وليس من مجيب أو مبادر.

ماذا ينتظر ممثلو الشعب للقيام بواجبهم؟ الفقرة “د” من مقدمة الدستور اللبناني تقول بوضوح: “الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية”. فهل هذا “الشعب” لا يريد رئيساً؟! وبالتالي لا يريد انتظام عمل الدولة والمؤسسات؟!

أي ديموقراطية تقوم بمقاطعة الجلسات النيابية المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية، صُلب الديموقراطية؟ واي توافقية تتكلمون عليها؟ فهل انتم مختلفون على الصيغة ام على النظام السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي؟ هل تستطيعون المجاهرة بما تختلفون عليه؟ والأدهى في الحاصل ربط مصير لبنان بالاتفاق “النووي” المرتقب بين أميركا وايران فهل سينتج هذا الاتفاق رئيساً؟

واذا حصل، فهل سيبدّل النظام اللبناني؟… وماذا عن وكالة الشعب لكم وقد تخطّيتم حدودها ومُهلها بالتمديد وبمصادرة إرادة الشعب الرافض للشغور والمطالب ابداً بانتخاب رئيس؟

اي لبنان سيولد من رحم هذا الاتفاق؟ وهل تتبدل الصيغة ويتغيّر الميثاق؟

اي جمهورية ننتظر ان تأتي من فُتات طاولات الخارج، بينما الداخل يتخبط في صراعاته؟

من قال ان هذا الاتفاق، ان حصل، سيشمل وضع لبنان؟

نريد ديمومة هذا الوطن وبقاءه على رسالته الفريدة. ونريد ان يحافظ على العيش الواحد بين مختلف ابنائه ومكوّناته. ونريد له ان ينهض على اساس ديموقراطية تمكّن الجميع من دون استثناء او تهميش من المشاركة في المسؤولية، فلا تكون ديموقراطية توافقية مصطنعة وهجينة بالمفهوم والقاموس السياسيين.

نريد رئيساً لبناني الهوى والهوية… رئيساً رائداً بصفات قيادية يتمتع بفكر متطور، ورؤية تتطلع صوب الغد الآتي ولا تتكل على الشعبوية المفرطة في استجداء المواقف. في الخلاصة نريد رئيساً يليق بلبنان وباللبنانيين، نفتخر به وبانتمائه لهذا الوطن فقط. وعلى المعنيين أن يتّعظوا قبل فوات الأوان ووفاة الجمهورية…

قال قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني ان لبنان “رسالة”… وقد أمسى اليوم “حاجة” ايضاً.

وما زلتم تتساءلون!… أي رئيس لأي جمهورية؟!!

وزير سابق