مع طي صفحة التمديد لمجلس النواب الاسبوع الماضي أطلق بعض المراجع مواقف من النية في التفرغ لانتخابات رئاسة الجمهورية بعدما حُلّت اشكالية الانتخابات بتسوية وافق عليها غالبية الأفرقاء ما يرفع الآمال من ان افق التوافق قد لا يكون مغلقاً او مقفلاً كلياً على ما توحي المواقف المعلنة. وفيما تعتقد مصادر سياسية ان اطلاق التصريحات عن النية الجديدة في استئناف المشاورات حول انتخابات الرئاسة يتصل جزء كبير منها بتبديد الاعتراضات خصوصاً من الكنائس وفي مقدمها الكنيسة المارونية على الذهاب الى التمديد لمجلس النواب قبل الاهتمام بانتخاب رئيس جديد للجمهورية أكثر منها بوجود معطيات ملموسة قد تفضي الى توافق في الموضوع الرئاسي كما حصل بالنسبة الى التمديد، فإن مصادر اخرى ترى ان ثمة تموضعا داخليا يعطي آمالاً على هذا الصعيد، ولو ان الامور لم تسلك بعد طريق التنفيذ. هذا التموضع تراه هذه المصادر من زاويتين : احداهما تنطلق مما حصل في الدرجة الاولى من انجاز أمني في طرابلس اعطى معنويات كبيرة للبنان وجيشه في القدرة على تحمل مسؤولية مواجهة المخاطر التي تتهدد البلد. يضاف اليه ما اطلقه الرئيس سعد الحريري إبان احداث طرابلس الاخيرة من مبادرة لقيت صدى ايجابياً لدى كل من الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط والامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وان على نحو غير مباشر من جانب هذا الأخير من خلال اشادته باداء تيار المستقبل في طرابلس ومن ثم ما اطلقه الامين العام للحزب في ما سماه مدّ يد الحوار مع تيار المستقبل. فالاسبوع الماضي الذي انشغل به المسؤولون بالتمديد لمجلس النواب حجب الاهتمام بالفعل ورد الفعل المقابل، مع العلم ان ثمة حاجة الى بعض الوقت من أجل إعداد الاجواء السياسية لذلك. لكن لا تعتقد هذه المصادر انه يمكن التأخير في تظهير بعض المواقف التي تصب في هذا الاطار، ولو ان النتائج قد لا تكون سريعة او فورية. والزاوية الاخرى تستند الى ما يعتقده بعض هذه المصادر انه تموضع تمهيدي او استباقي قبيل الاستحقاق الاقليمي المتمثل بالمفاوضات بين الدول الكبرى الخمس زائد المانيا مع ايران حول ملفها النووي والتي بدأت اجتماعات أمس في مسقط من أجل الاعداد لمفاوضات حاسمة قبل الموعد النهائي المحدد للتوصل الى اتفاق في 24 تشرين الثاني الجاري. فمع ان رؤساء بعثات ديبلوماسية أجنبية مؤثرة في لبنان تدفع منذ بعض الوقت من اجل عدم ربط الاستحقاقات اللبنانية ولا سيما منها الانتخابات الرئاسية بهذا الموعد كون لا صلة لما يجري على صعيد المفاوضات حول الملف النووي الايراني بالوضع الداخلي في لبنان كما يقول هؤلاء، فإنه نادراً ما يسقط المسؤولون اللبنانيون هذا العامل من حساباتهم لاعتقاد راسخ لديهم ان ايران ترهن ما يجري في لبنان كما في المنطقة بجملة ملفات تتصل بها، ومن بينها الاستحقاق الانتخابي ولو من دون اهمال بعض الاعتبارات الداخلية المؤثرة على غرار ممانعة التيار الوطني الحر في حصول انتخابات لا توصل العماد ميشال عون الى الرئاسة والتي يمكن ان تساهم في تغييرها هذه الاعتبارات او اختلاف مصلحة الخارج مع مصلحة الاطراف الداخليين او توصل هذا الخارج الى تسوية ترضيه.
ومع ان فرص الوصول الى اتفاق مع ايران حول ملفها النووي هذا الشهر لا تبدو مؤكدة كلياً ويظل احتمال تمديد المهلة للتوصل الى اتفاق ممكناً، فإن المصادر السياسية ترى ان تموضعات الداخل اللبناني باتت مهيأة لحصول تغييرات استناداً او ربطاً بهذا المعطى. وهذه التغييرات قد لا تبدو واضحة كليا لكن الامور هي على غير ما كان عليه الوضع في الاشهر الماضية أولا استناداً الى امكان انطلاق الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله من جهة، ما يترك ارتياحاً نسبياً، وبناء على تبني الحزب ترشيح العماد عون صراحة من جهة أخرى ما ينبىء بالانتقال الى مرحلة جديدة انطلاقاً من ان اكتفاء الحزب بوضع التحاور حول الرئاسة عند العماد عون كلياً باعتبار انه بدا غير منتج بعد أكثر من خمسة اشهر، فضلا عن انجاز التمديد لمجلس النواب الذي يطمئن الاطراف الاساسيين ومن ورائهم الاطراف الاقليميين المؤثرين بالرغبة في المحافظة على الستاتيكو السياسي الراهن في لبنان من دون السعي الى تغييره ارتباطاً بما يجري في سوريا او سواها. ومن هذه الزاوية تبدو الامور اكثر استعداداً للتحرك من أي وقت مضى على صعيد الجهود لاجراء الانتخابات بغض النظر عن توقيت نضوجها. ومع ان احداً من المسؤولين او من الديبلوماسيين المعنيين لا يجزم بتوقيت محدد او محتمل ولو بموعد تقديري خشية المخاطرة في معطيات لا تبدو محسومة، فإن ثمة ارتياحاً ظاهراً يتم التعبير عنه راهنا على رغم ان التحديات التي يواجهها لبنان لا تزال على حالها.
ومع ان كل هذا التموضع لا يعني او يفيد بأي شكل ان الانتخابات الرئاسية على الابواب، لكن الأجواء السياسية افضل ويمكن البناء عليها خصوصا ان البعض يرى ان الغطاء المسيحي الذي توفر للتمديد من القوات اللبنانية والمردة ومسيحيي 14 آذار يفترض ان يدفع البعض الى اعادة النظر في مواقفه واجراء حسابات جديدة في حال توافرت للاستحقاق الرئاسي الفرصة لأن يتم الدفع به الى الامام من القوى الاقليمية.