IMLebanon

أيّ ارتدادات للهدنة السورية على لبنان وهل ثمة من يُراهن على تغيير المعادلات؟

قلة قليلة من اللبنانيين تتعامل مع الهدنة في الميدان السوري التي بدأ سريانها منذ منتصف ليل الجمعة – السبت الماضيين على اساس انها حدث محوري يمكن ان يرخي بتداعياته ايجابا او سلبا على الساحة اللبنانية وعلى مسارات الامن والسياسة فيها وذلك انطلاقا من واقعين:

الاول: ان احداً لا يمكنه الا التشكيك في جدية هذه الهدنة التي ولدت في ظروف بالغة التعقيد ولادة قيصرية ولا يملك تالياً جرأة الرهان على امكان ان تتحول هذه الهدنة الى بداية فعلية تقود لاحقا الى طي صفحة حرب انهكت الحرث والنسل، لا سيما بعدما استحالت حربا كونية لم يعد احد الا وله فيها باع وذراع ومعقد رهانات.

الثاني: ان محورا عربيا معاديا للنظام السوري اطلق منذ البداية حملة تشكيك في جدوى هذه الهدنة وحرص على التعامل معها سلفاً على اساس انها آيلة الى السقوط المحتم، مما يعني ان ما يجري ليس الا استراحة محارب سيعاد بعدها الاعتبار الى الميدان.

إلا ان دوائر القرار في قوى 8 اذار قاربت الهدنة هذه من زاوية مختلفة اذ انزلتها منزلة الحدث الذي ينطوي على دلالات من جهة وعلى تأثيرات على الساحة اللبنانية على المستويين القريب والبعيد. وعليه فان الدوائر عينها سرعان ما وجدت في عاصفة الحزم السعودية التي هبت بشكل مباغت على لبنان منذ ما يزيد عن عشرة ايام وفعلت فعلها الكبير على ساحته، انها، بشكل او بآخر، رسالة أُريد تمريرها عبر الساحة اللبنانية الى اللاعبين الكبار على الساحة السورية، من عناوينها العريضة: احذروا تجاهل حساباتنا ومصالحنا في الساحة السورية، فخياراتنا مفتوحة في امكنة عدة إن حاولتم ازاحتنا عن الساحة الملتهبة وايدينا ليست بالضرورة مغلولة. واستطرادا، فان المستجد في الساحة اللبنانية انما هو اجراء وقائي في وجه ما يعد للساحة السورية ورسالة في غير اتجاه والى غير طرف داخلي وخارجي وتذكير بقدرة كامنة تستطيع قلب الطاولات ساعة تشاء.

واذا كان التطور اياه في عُرف هذه الدوائر قد رسم خطوط اعتراض مبكر في الساحة اللبنانية التي تكاثرت التفسيرات والتحليلات حول من يقبض على زمامها، فان الدوائر نفسها تشاطر القائلين بان الهدنة في سوريا لا تعني بالضرورة ان صفحة الحرب هناك ستنطوي بين ليلة وضحاها ولكنها على يقين من انها تحمل في طياتها دلالات وابعادا لا يمكن اغفالها ابرزها:

– ان ثمة توجها دوليا تقوده موسكو وواشنطن يرمي الى وضع اللبنات الاولى لإنهاء هذه الحرب الشرسة.

– ان الدولة السورية شريك اساسي، مما يعني اخفاق المحاولات الدؤوبة المبذولة لتغييبها ورسم خرائط الطريق من دونها.

– ان ثمة قوى وفصائل سورية معارضة ستفتح لها الشراكة في التسوية واخرى ستوصد الابواب في وجهها وهذا يعني ان هناك رابحا وآخر خاسرا.

اما عن الارتدادات الامنية والسياسية لهذه الهدنة على الساحة اللبنانية فهي وفق منظور هذه الدوائر على النحو الآتي:

– على المستوى الامني تنتفي لدى هذه الدوائر المخاوف من محاولات قد تقوم بها “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” المستثنيين من الهدنة للعبور الى مناطق او بؤر في الداخل اللبناني، إما لجوءا وإما رغبة في توسيع جغرافيا المواجهات، فالبيئات الحاضنة ضمرت في العامين الماضيين الى اقصى الحدود، والقوى المولجة ساهرة ترصد كل شاردة او واردة، واستمرار الاستقرار اللبناني يحول دون تشتت الكم الكبير من اللاجئين السوريين في اقاصي الارض متذرعين بأية مفاجآت امنية. وهذا الكلام يكرس حقيقة تدركها كل الجهات اللبنانية وتدرك ايضا ان حرص الغرب عموما على معادلة الاستقرار اللبناني انما هو تحسّب من ان يطرق مئات الآلاف من الهاربين السوريين ابواب العواصم الاوروبية التي تئن اصلا من موجات سابقة.

على المستوى السياسي، تنطلق هذه الدوائر من اطمئنان فحواه ان الهدنة، وبصرف النظر عن مآلاتها ومسارها ونهاياتها، هي ارساء متدرج لواقعين اثنين:

الاول ان الوعد بتحولات في سوريا لمصلحة اعداء النظام قد تقلص بساطه الى اقصى الحدود.

الثاني ان الهدنة ذاتها هي بداية افهام المجموعات المسلحة بان زمن الثورة يوشك على الافول وان عليهم القبول بواقع آخر عنوانه الكبير ان هناك قوتين عالميتين (روسيا والولايات المتحدة) باتتا تمتلكان مفاتيح اللعبة الميدانية والسياسية في الساحة السورية. وعليه فالهدنة في ذاتها ستكون وعودا بتبريد تلقائي للرؤوس الحامية التي طفحت يوما بالآمال الكبار وخفضا لمنسوب آمال عراض بنيت ذات يوم على وعد بتغيير معادلات راسخة في سوريا مقدمة لارساء معادلات مختلفة في الداخل اللبناني، وهو امر لم يكتم المجاهرة به بعض افرقاء هذا الداخل ابان تراجع نظام دمشق وتقدم معارضيه.

انطلاقا من كل ذلك تذهب الدوائر عينها الى استنتاجات فحواها ان الفريق الآخر بدأ يتعايش وان بهدوء مع هذا المستجد ومقتضياته على الساحة اللبنانية، لذا فهو:

– اعرب عن استعداده للقبول برئيس من فريق 8 آذار.

– اظهر استعداده للبقاء في مؤسسات التلاقي الثلاث مع الفريق الاخر، وبالتحديد مع خصمه الالد اي “حزب الله”، وهي الحكومة والحوار الثنائي والحوار الوطني.

– التأكيد على رفض الانزياح نحو اية خيارات تتوسل لعبة الشارع سبيلا لمواجهة الآخر.

– الانفتاح على القوى السنية التي هي على طرف نقيض مع التيار الازرق وفي مقدمها رئيس حزب الاتحاد الوزير السابق عبد الرحيم مراد، بعد طول تنكّر وتهميش لها.

– ابداء الاستعداد امام رئيس مجلس النواب نبيه بري للتعامل الايجابي مع فعل تسووي يخفض منسوب التوتر ويمهد لما هو ابعد من التهدئة.

لم يعد الامر مجرد تخمينات او تكهنات، فتطورات الايام الخمسة الماضية اكدت ذلك بالملموس.