العجز يتكلم في مجلس الأمن، والصواريخ تتكلم في حلب. ولا فائدة من الذهاب الى المجلس حين يكون الكبار على خلاف. وهم مختلفون منذ بدأت حرب سوريا قبل ست سنوات تقريبا، وان اتفقوا أحيانا على قرارات تبقى على الورق. فالنقاش في الوضع السوري كان ولا يزال نوعا من استمرار الحرب بوسائل أخرى، خلافا لقول كلاوز فيتز ان الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. وعملية السجال والتفاهم خارج المجلس ليست مقتصرة على الروس والأميركيين بل تشمل أيضا القوى الاقليمية المنخرطة في الحرب. والغائب هو التفاوض الحقيقي على تسوية سياسية، وان شهدت جنيف وفيينا جولات فولكلورية للتفاوض، وكاد تفاهم الثنائي لافروف – كيري يبدو جديا قبل أن يسقط عشيّة تطبيقه.
ذلك ان المعاملة لم تتغيّر، وان تغيّر المشهد على الأرض. الهموم حيال الكارثة الانسانية في حلب تدفع الدول العاجزة عن وقف الكارثة الى محاولة فعل شيء من خلال الدعوة الى جلسة لمجلس الأمن. والاهتمامات الاستراتيجية المتعلقة باللعبة الجيوسياسية تقود الى إكمال المعركة التي تسميها دمشق توحيد حلب. لكن الاهتمامات الاستراتيجية تتقدم على الهموم الانسانية، وان جرت محاولات شكلية لتلبية مطالب انسانية ملحّة يقدمها المسؤولون في الأمم المتحدة. فلا الدعوات الى تطبيق القرار ٢٢٥٤ تفتح باب التفاوض أو أقله تؤدي الى وقف نار غير موضعي ولا موقت بأيام أو حتى بساعات. ولا التقدم على الجبهات العسكرية يضمن النجاح الكامل للحل العسكري.
والواضح ان موسكو تدعم الى النهاية قرار النظام وحلفائه من ايرانيين وتنظيمات تابعة لهم باستعادة الجزء الشرقي من حلب. لكن الغامض هو ما يريده الرئيس فلاديمير بوتين بعد الانتهاء من معركة حلب. هل يحدّ من الانخراط العسكري الروسي لترتيب الأمور في سوريا المفيدة أم يتبنى رغبة النظام في استعادة كل الأرض السورية؟ وما هو السيناريو في مرحلة ما بعد المسارعة الى فرض الأمر الواقع في حلب قبل أن يتسلم الرئيس دونالد ترامب منصبه في العشرين من كانون الثاني المقبل؟
الظاهر على الشاشة سيناريوهان: واحد واقعي وآخر راديكالي. الأول هو التسليم بالحاجة الى تسوية سياسية مقبولة محليا واقليميا ودوليا تمهّد لمساهمة المجتمع الدولي في اعادة اعمار سوريا، وهي مهمة أكبر من امكانات النظام وروسيا وايران. والثاني هو الاصرار على الحل العسكري الى النهاية بما يقود في أفضل الأحوال الى ما سماه الرئيس باراك أوباما وراثة الرابح لبلد مدمّر، وسط حرب عصابات واستنزاف وظهور داعش أشدّ تطرّفا وخطورة.
والخيار دقيق.