غداة الكلام الاعلامي الكثيف الذي رافق زيارة الديبلوماسي الفرنسي جان فرنسوا جيرو للبنان، بدأت الامور تنحو الى تقويم موضوعي تحليلي بناء على المعطيات التي حملها. وهو تقويم ايجابي في رأي مصادر سياسية عليمة انطلاقا من مجموعة عناصر قد يكون ابرزها ان ثمة تحركا خارجيا حصل في اتجاه لبنان في موضوع التركيز على ضرورة اجراء انتخابات رئاسية في حين ان هذا التحرك لم يكن قائما او محتملا بالصيغة التي حصل فيها بل كان الجمود سيد الموقف. ذلك ان هناك مبادرة فرنسية اخذت زخمها من رغبة ايرانية عبرت عن ارادة طهران في ان يتأمن استقرار لبنان وفي ان تقوم فرنسا بمبادرة في اتجاه العمل على المساعدة من اجل انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتوافق عليه الجميع مع دفع لأن يتم اشراك الفاتيكان في مسألة العمل على اقناع الافرقاء اللبنانيين ولا سيما المسيحيين منهم في هذا الاتجاه بالاستناد الى علاقة طيبة لايران بالكرسي الرسولي. وهو ما يتوقع ان يعمل عليه الفاتيكان في الفترة المقبلة بعدما ابدى استعداده للمساعدة حيث يلزم. واهمية الدفع الايراني في رأي هذه المصادر هو كونه يوجه الرسائل الملائمة ضمنا وشكلا في الاتجاهات الضرورية والتي ستلاقي رسائل مماثلة من الجهة الاخرى علما انه اتى بعد موقف روسي وإن رآه البعض مبدئيا وليس سياسيا على نحو كلي عبر عنه نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف بالاشارة الى ضرورة الذهاب الى رئيس توافقي وايلائه اهمية لاعلان بعبدا. وهذا الدفع الايراني المبني على حسابات اقليمية قد يتصل بالوضع في سوريا ورغبة ايران في اراحة ” حزب الله” من الضغوط المختلفة المتعلقة بمشاركته في الحرب في سوريا وعدم اضعافه في ظل اهتزاز الوضع الداخلي اللبناني على وقع تطورات درامية قائمة او قد تكون في الافق شأنها في ذلك حين دفعت الى التسوية الحكومية التي ادت الى حكومة الرئيس تمام سلام، يفترض ان يستكمل بعد وضع جيرو الايرانيين في اجواء لقاءاته في بيروت.
هذه المبادرة تقول المصادر اطلقت مسارا قد يجد اخراجا ملائما له في الحوار المزمع بين تيار المستقبل و” حزب الله ” على قاعدة ان هذا الحوار قد يخلص الى ضرورة احتواء الاحتقانات والتشنجات عبر الذهاب الى انتخاب رئيس للجمهورية يكون تسوية بين الجميع من دون ان يظهر ان هناك تنازلات من هنا او من هناك.
فما هو سيناريو المرحلة المقبلة اذاً؟
تعتقد المصادر ان المنحى سيكون تصاعديا وان كان احدا لا يتوقع ان تتبلور مسألة الرئاسة قبل الربيع المقبل وتحديدا في اذار 2015 بحيث ان الاشهر القليلة المقبلة ستكون كافية من اجل تذليل العقبات المتمثلة بمعارضة العماد ميشال عون لانتخاب اي رئيس سواه الى جانب تذليل العقبة التي تراها هذه المصادر متمثلة في الدكتور سمير جعجع. اذ ان عون وجعجع لا يمكن ان يتفقا الا على “اسقاط النائب مخايل ضاهر” وهو تعبير مجازي للقول ان ثمة صعوبة في اقناع الاثنين باسم المرشح المحتمل او الاكثر حظا للوصول الى سدة الرئاسة. والرسالة الايرانية الدافعة في اتجاه مبادرة فرنسية في هذا الاطار، والتي وصلت الى العماد عون فكان موقفه الاخير عالي السقوف، يفترض ان تترجم عبر موقف لـ”حزب الله” يبلغ العماد عون انه مستمرفي دعمه في حال شاء الاستمرار في معركة الرئاسة لكن قد يكون مضطرا الى المشاركة في جلسات الانتخاب وحتى الى التصويت له من دون ان يعني ذلك حصول اجماع عليه رئيسا بل انتخاب سواه. وهو الامر الذي قد يكون في الوقت نفسه احد محاور الحوار بين تيار المستقبل و” حزب الله” لجهة حض التيار الحزب على تسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية واقناع العماد عون في هذا الاتجاه الى جانب المحور الاخر المتعلق بالعمل على وقف تسليح ما يسمى بسرايا المقاومة مساهمة في الحفاظ على السلم الاهلي ومنع انتشار السلاح وتوظيفه في الداخل.
واذ تؤكد المصادر العليمة ان جيرو لم يتحدث في اسماء مرشحين معينين، الا ان فرنسا ليست بعيدة في الواقع عن لائحة المرشحين المحتملين وسبق للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ان عرضها مع زواره من المسؤولين اللبنانيين خلال الاشهر الماضية اكان الرئيس ميشال سليمان او الرئيس سعد الحريري او النائب وليد جنبلاط وسواهم ايضا. وهناك مرشحو تسوية تبرز حظوظهم اكثر من سواهم وهم قلائل. الا ان هذه المصادر تجزم في الوقت نفسه بعدم تضمن المبادرة الفرنسية اي صفقة متكاملة وفق ما قد يرى البعض من حاجة الى امر مماثل بناء على انه لا بد لاعتبارات متعددة من الاتفاق مسبقا على الحكومة المقبلة وعلى قانون الانتخاب العتيد. فليس من شيء مماثل تقول هذه المصادر بل هناك فقط موضوع انتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي سيكون في الواجهة اذ ان الحكومة المقبلة ستكون مستنسخة كليا عن هذه الحكومة من دون اي تغيير فعلي وربما يطلب اعادة تكليفها هي نفسها بعد انتخاب الرئيس العتيد حتى لو من اجل البقاء لستة اشهر اضافية تجرى بعدها انتخابات نيابية جديدة. لكن المغزى انه لن تكون هناك خلافات فعلية لا على الحكومة ولا على قانون الانتخابات وفق ما يرتقب ان يتبلور تباعا قبيل انتخاب الرئيس العتيد.