IMLebanon

أيّ مشهد عسكري – سياسي يستشرفه “حزب الله” بعد المعادلة التي أطلقها سيده وعملية المزارع؟

يتصرف “حزب الله” بعيد عمليته النوعية في مزارع شبعا الاربعاء الماضي وما انطوى عليه خطاب امينه العام السيد حسن نصرالله بعد يومين، على اساس انه نجح في تبديل الادوار وقلب المواقع، فعوض ان يلجأ هو الى تأجيل الرد على الضربات المتنوعة والمتكررة التي اعتاد ان يتلقاها من الكيان العبري تحت بند “الحساب المفتوح”، صار واضحا ان اسرائيل هي التي باتت في موقع المضطر الى ارجاء الرد والاستماع بصمت الى تهديدات نصرالله وانصات الى قواعد اللعبة الجديدة التي اعلن انه ذاهب اليها وفحواها العين بالعين وميدان الاشتباك والرد والنزال لن تحده هذه المرة حدود ولن تقيده فواصل.

انها إذاً جولة جديدة من المواجهة بين الحزب واسرائيل انتهت ولكن لها ما يليها وما يتبعها في انتظار اول شرارة ستقدح هذه المرة من جبهة الجولان المحتل – القنيطرة.

معركة انطوت صفحتها، لكن أثبتت التجارب والمواجهات، إن من يطلق الرصاصة او القذيفة الاخيرة تكون له اليد العليا في التصرف كرابح ولو موقتاً وفي فرض قواعد اللعبة الجديدة.

الى ذلك، نجح الحزب من خلال ضربته النوعية في ميدان مزارع شبعا واطراف جبل الشيخ، اي مثلث التلاقي اللبناني – السوري – الاسرائيلي، في تكريس ثلاث وقائع لا بد ان تؤخذ في الاعتبار من الآن فصاعدا وهي:

– ان يمحو سريعا التفوق النوعي للضربة الاسرائيلية في ريف القنيطرة الغربي والتي طاولت 6 من الكوادر العسكرية المخضرمة للحزب.

– ضربة المزارع التي اختار الحزب على عجل ميدانها لانه لم يعد بمقدوره تكرار تجارب سابقة وتأجيل الرد والعقاب، ولانه في خلفية تفكيره الاستراتيجي انها المكان الاوحد الذي يتيح للاسرائيلي امتصاص الضربة وتأجيل الحساب والرد اذا لم يكن في وارد التصعيد واخذ الامور نحو الهاوية واحتمالات التوسيع.

– سمحت ضربة المزارع لسيد الحزب باطلاق رزمة محددات جديدة تفرض منطقيا على كل اللاعبين من قوى مشتبكة ومن قوى اقليمية معنية بالاشتباك ومن قوى دولية لها صلة، ان لا تتجاهلها وان تتعامل بواقعية وموضوعية مع قواعد اللعبة الجديدة التي تحدث عنها، خصوصا ان تجارب الماضي القريب والبعيد اثبتت ان الرجل لا يطلق الكلام على عواهنه.

– ان السيد نصرالله لم يتحدث كاحد الطرفين المشتبكين فحسب، بل اطلق كلامه على اساس انه قطب الرحى في الاشتباك الاقليمي الممتد على اكثر من ساحة وانه صاحب الكلمة الفصل وواسطة العقد في محوره. لم يعد خافيا ان الحزب عندما اتخذ قراره واعطى الاوامر لعناصره باطلاق القذائف الصاروخية على الموكب الاسرائيلي في المزارع كان امام احتمالين لا ثالث لهما: إما أن يبادر الاسرائيلي الى عمل عسكري فوري، وإما ان يتعاطى بموضوعية ويمتص الصدمة، وهذا ما حصل وهو ما اكد للحزب فرضية ان تل ابيب كانت تفترض ان الحزب سيستوعب ضربة القنيطرة وينام عليها.

في أي حال يعتبر الحزب ان ضربته في المزارع كانت فاصلا بين زمنين سياسيين وفتحت الآفاق أمام مشهد عسكري – سياسي مختلف تماما على غرار المشهد الذي ارتسم عقب اغتيال الطيران الحربي الاسرائيلي الأمين العام الثاني للحزب السيد عباس الموسوي في شباط 1992 والذي دفع الحزب الى مستوى متقدم من الحضور والفاعلية.

ولا ريب في ان دوائر القرار والتحليل في الحزب شرعت في سبر غور هذا المشهد واستشراف احتمالاته المتعددة وخلصت الى الآتي:

– ان واقع دخول الحزب الى تخوم الجولان السوري المحتل قد تكرس وصار امرا حتميا لا مناص من تداعياته لاحقا وعلى كل المستويات الى حد انه ستكون هناك معادلة جديدة عسكرية وسياسية.

– ان طهران ايضا قد ولجت من خلال المواقف التصعيدية ضد الكيان العبري، والتي اطلقها بعض قياداتها السياسية والعسكرية، مباشرة الى لعبة المنازلة وجها لوجه مع اسرائيل، مما يعني احتداما وتصعيدا من الان فصاعدا.

– ان الحزب وطهران يتصرفان معا على اساس ان اسرائيل قد صارت من الان فصاعدا في حالة تكيف مع معادلة ما بعد ضربة القنيطرة والرد عليها في المزارع، خصوصا انها لم تجد الغطاء الغربي المطلوب ولم تجد مناخات لبنانية داخلية من شانها ان تقيد حركة الحزب وتكبل يديه عن الفعل.

– ومع كل هذه المعطيات، فإن الحزب يحسب ضمنا لأمر اساسي هو ان خصومه العاجزين عن مواجهته مباشرة سيدفعون بالمجموعات الارهابية – التكفيرية الى رفع منسوب مواجهتها له في الساحتين السورية واللبنانية لانهم يعتبرون ان هذه المجموعات ما زالت هي القادرة على استنزاف الحزب وكبح جماح اندفاعته.

وفي مطلق الاحوال ما زال من المبكر القول ان خصوم الحزب قد كفّوا عن اجتراح انماط واساليب جديدة لمواجهته وإشغاله واستطرادا استنزافه.