Site icon IMLebanon

أي أبعاد أمنية وسياسية تنطوي عليها تصفية مروان عيسى في مخيم عين الحلوة؟

توقفت الجهات السياسية والامنية أمام أبعاد تصفية الشاب مروان عيسى في مخيم عين الحلوة قبل ثلاثة ايام، واعتبرت انها جريمة ممنهجة ودقيقة بكل معنى الكلمة، وانها توطئة مدروسة لفعل لا يقل تأثيرا عن عملية “استيلاد” ظاهرة الشيخ احمد الاسير قبل اعوام ليؤدي الادوار المثيرة التي اداها لاحقا قبل ان ينجح الجيش في محاصرتها واستئصالها. ولكن هذه المرة المسرح هو المخيم الفلسطيني الاكبر بما يعنيه وليس في صيدا بما تمثل في الجغرافيا والديموغرافيا.

عيسى لبناني في السادسة والعشرين من عمره، وهو شيعي من عيترون البلدة الحدودية وعائلته اقامت فترة في صيدا ووالدته فلسطينية يقطن اهلها في عين الحلوة، وقد اعتاد التردد عليهم ونسج علاقات معرفة هناك. ورغم ان “حزب الله” تولى تشييع جثمانه فان عارفيه يؤكدون انه لا ينتمي عضويا الى الحزب، وقد استدرج الى داخل المخيم وفق عملية مدروسة سلفا ثم صفّي بطريقة وحشية (دق مسمار في رأسه) تماثل عمليات التصفية التي اعتادت المجموعات الارهابية في سوريا والعراق وفي جرود عرسال تنفيذها، ثم اعيد جثة في صندوق سيارته الى اطراف المخيم.

انها اذاً عملية تصفية وليست جريمة عادية عابرة اراد المخططون لها ومنفذوها ان تكون لجهة توقيتها ومكانها عبارة عن رسالة متعددة البعد والهدف لا بد من ان تقرأ في ضوء مستويين:

الاول قريب له صلة وثقى بوضع مخيم عين الحلوة المعروف بتعقيداته وتشعباته.

الثاني بعيد كونه اول حدث امني داخلي ينطوي على هذا القدر من الخطورة والابعاد بعيد الاتفاق – الاطار النووي الايراني – الغربي.

على المستوى الاول لم يعد خافيا ان الانظار شاخصة منذ زمن بعيد الى هذا المخيم المكتظ مذ صار ملاذا لرموز ارهابية خطرة وافدة (شادي المولوي واسامة منصور واحمد الاسير وفضل شاكر)، واصيلة وابرز رموزها توفيق طه. ولقد تعاملت الجهات الرسمية على اساس ان لجوءها الى هناك هو مشروع فتنة ومواجهة وانها تتخوف من يوم تشرع فيه هذه الرموز في افعال ذات طابع ارهابي في داخل المخيم وانطلاقا منه.

وبناء على هذه الهواجس التي لها ما يدعمها ابلغت الجهات الرسمية المعنية بالملف القيادات والفصائل الفلسطينية بأن عليها ان تبادر الى فعل وقائي عاجل يحول دون توريط المخيم ودون توتير علاقته بمحيطه.

وكما هي العادة ضاعت التحذيرات تلك في خضم انقسام الآراء داخل المخيم بين داع الى عدم “تضخيم الموضوع” وتحميل المخيم تبعة امر لا يريده، وبين قائل بأن المطلوبين محاصرون ولا حول لهم ولا قدرة على الفعل والتعكير، وان الضغوط ستجبرهم على مبارحة المخيم عاجلا ام اجلا.

ولم يمض وقت طويل حتى صدم الجميع اخيرا بجريمة تصفية الشاب عيسى بعد استدراجه الى داخل المخيم ليعاد تسليط الاضواء مجددا على واقع مرعب للجميع، وهو ان في بعض دواخل المخيم المعتمة تنمو الحالة الارهابية الحاملة لمشروع خطر، وانها اكثر من ذلك حالة متحفزة، وان اي عملية تجاهل لهذه الحالة والتغطية عليها باتت بمثابة ارجاء لمشكل آتية ساعته ولا ريب.

ودليل اصحاب هذه الرؤية هو عملية الاستدراج والقتل المنظم لهذا الشاب وتداعياته المحتملة على المخيم وعلى الجوار والمحيط الابعد، واستطرادا على صيدا والجوار في استعادة لمرحلة التوتر التي خال كثيرون انها انطوت، خصوصا اذا صدقت المعلومات القائلة بأن الجريمة بداية وليست نهاية، على نحو متدحرج لن يكون بالامكان ضبط تداعياته وردود الفعل عليه اذا ما تكرر مستقبلا.

انها اذاً عملية توريط منظمة للجميع من جهة ورسالة مشفرة لمن يعنيهم الامر، فحواها سقوط كل الاجراءات التي اتخذت والوعود التي اعطيت من الفصائل الاساسية، وتهافت الاجواء التي سرت سابقا ومفادها ان يد الارهاب في الداخل باتت مغلولة من جراء الضربات المتتالية التي نفذها الجيش للخلايا والرموز الارهابية والتي اسفرت عن اعتقال ما يزيد عن 400 رأس خطير ومحترف. انها ايضا وايضا اشارة الى ان الارهاب يتحفز للانطلاق في مرحلة جدية تستهدف استقرار الداخل الساري منذ اكثر من عام.

اما على المستوى الثاني وهو علاقة الجريمة بمرحلة ما بعد اتفاق لوزان، فلم يعد خافيا ان ثمة موجة تكهنات ومخاوف سرت اثر الاعلان عن هذا الاتفاق الاستراتيجي، جوهرها ان “حلف المتضررين” اخذ على عاتقه خلال الشهرين الفاصلين على توقيعه نهائيا في اواخر حزيران المقبل مهمة اسقاطه قبل ان ينتقل من طور الاطار الى طور الاتفاق الناجز. وعليه راودت المعنيين توقعات مفادها ان ثمة موجة تصعيد وشد حبال وكباش آتية على كل ساحات المنطقة بما فيها الساحة اللبنانية. لذا فانه وبعد جريمة تصفية عيسى في عين الحلوة ثمة من استيقظت في خاطره المخاوف الى درجة البحث في أبعاد الجريمة وزواياها الخفية لمعرفة ما اذا كانت فعلا اوليا يندرج في السياق الذي يخشى منه وعنوانه العريض العبث باستقرار الساحة وبمعادلاتها الهشة والطرية لإعادة عجلة الاوضاع في صيدا ومحيطها إلى سيرتها المشحونة بالتوتر مقدمة لمشهد اكثر خطورة.

واذا كان ثمة من يرى ان الامور لن تبلغ هذا المبلغ الخطر كون الجهات الفلسطينية المعنية قد سارعت الى تسليم المتهمين بالضلوع بالجريمة الى الجيش، الا ان هذا الحدث على اهميته لا يعني اطلاقا ان الذين ارتكبوا الجريمة وخططوا لها ولردود الفعل قد اصابهم اليأس ولن يكرروا الفعل، خصوصا اذا صدقت الاحتمالات التي كثر الحديث عنها والمتصلة بالوضع في جرود عرسال اللبنانية والقلمون السورية وما يحكى عن “غزوة” ما بعد ذوبان الثلج.

في أي حال، ثمة حدث امني خطير لا بد من ان يؤخذ في الاعتبار ويكون الجميع على حذر منه لانه حدث يأتي في سياق وليس مقطوعا.