سيكون أمرا لافتا اذا تأكد ان طائرة الاستطلاع التي سقطت في جرود البقاع الغربي قرب صغبين تعود لاسرائيل التي عادت فأطلقت صاروخا من اجل تدميرها، وفق ما ابرزت وأصرت على ذلك وسائل الاعلام التابعة لـ”حزب الله” انطلاقا من ان لا ردود فعل غدت تظهر ضد انتهاكات اسرائيل للاجواء اللبنانية كما لم تعد تظهر تهديدات بالويل والثبور وعظائم الامور، كما كان يحصل من قبل حين كان الحزب يرفع الشعار الرئيسي لمبررات “المقاومة” في الجنوب وحتى في لبنان. فهذا الاحتمال لو صح فانه الوضع المثالي بالنسبة الى الحزب من أجل تأكيد صوابية استمرار “المقاومة” في زمن لا وجود فيه لرئيس للجمهورية من اجل ان يعلن موقفا منددا او مستنكرا ولا حكومة فاعلة او عاملة من اجل ان تتخذ موقفا وربما تقدم شكوى الى مجلس الامن. إلا انه في غياب المعلومات المثبتة فان الاحتمالات راوحت ايضا بين ان تكون طائرة استطلاع تعود للحزب واسقطتها اسرائيل في الوقت الذي ليس من مصلحة الحزب ان يقول او يقر باسقاط طائرته من اسرائيل خصوصا او ان يقر بسقوطها لسبب آخر، علما ان الكتابة الروسية التي ظهرت على إحدى قطع الطائرة دفعت الى ترجيح ان تعود الطائرة للحزب، وبين ان تكون الطائرة اسرائيلية ليس من مصلحة اسرائيل ان تقول بسقوطها في لبنان او بتدميرها بصاروخ لاحقا على نحو يثبت خرقها للسيادة اللبنانية والاعتداء عليها، علما ان الاجواء اللبنانية لا تخلو من طائرات الاستطلاع الاسرائيلية التي ليست جديدة بالمناسبة وهي ازدادت بعد اندلاع الاحداث الدموية في سوريا بحيث تخضع الاجواء السورية لعمليات استطلاع متعددة من قبل جهات مختلفة اقليمية او دولية ولو من دون الاعلان عن ذلك. كما ان اسرائيل عمدت مرارا الى الكشف عن استمرار استطلاعها الاجواء اللبنانية والسورية، على حد سواء، تبعا للضربات الجوية العسكرية التي وجهتها على مراحل لما قالت انه قوافل سلاح ينقلها الحزب الى لبنان من سوريا او ايضا الضربات التي وجهتها ضد مواقع في سوريا. الا ان الاحتمال الآخر المتمثل بان تعود الطائرة للحزب ليس بعيدا، خصوصا انه سبق للحزب ان أعلن انه قتل عناصر من التكفيريين الشهر الماضي بواسطة طائرة الدرون او انه كان وجّه أنواعا مماثلة فوق الاجواء الاسرائيلية. وثمة احتمال يتمثل في ان تعود طائرة الاستطلاع الى الجيش اللبناني انطلاقا من المعلومات التي تحدثت عن تزويده بها من الجيش الاميركي من أجل تمكينه من مراقبة الحدود مع سوريا وتتبع حركة الارهابيين المختبئين في المناطق الحدودية من اجل حمايتها، علما ان عنصر المفاجأة ثم التحقيق الذي بدأه الجيش لن يتصل عندئذ بكشف ماهية الطائرة ولمن تعود بل عن سبب سقوطها في حال كانت تعود اليه، وهو ما لم يظهر على انه كذلك.
ومع ان الامر يفترض ان يكون قيد التحقيق فانه من غير المحتمل ان يثير اي ردود فعل معينة. ثمة تبسيط مبالغ به في التعامل مع حوادث مماثلة وتبعاتها او ربما ايضا حرص على تحجيمها وعدم المبالغة بها. الا انه، في اي حال، هناك جملة ذرائع على الاقل قد يكون ابرزها ان طائرات الاستطلاع باتت امرا معهودا وشبه مسلم به في سياق ما يجري في المنطقة على نحو تستخدم الاجواء اللبنانية كما يستخدم لبنان ساحة من الساحات المكملة او الرديفة لقيادة او متابعة الوضع او الحرب في سوريا. وقد يكون ملائما عدم التعليق سلبا او ايجابا او ابداء اي رد فعل على الاطلاق بالنسبة الى الحكومة اللبنانية المحرجة اصلا من مشاركة الحزب في الحرب السورية على رغم شعارها باعتماد النأي بالنفس في حال كانت الطائرة تعود الى الحزب. لكن الثغرة تكمن في حال كانت الطائرة اسرائيلية في ظل غياب وجود مؤسسات الدولة ووقوفها على شفا الانهيار والتحلل، ولو ان البعض لا يزال يتمسك بأمل ان تستعيد الحكومة شيئا من هيبتها يوما ما في المدى المنظور بعد التعطيل القسري من جانب فريق التيار العوني وتضامن حليفه معه بحيث تعجز ان تتخذ موقفا اذا كانت اسرائيل صاحبة الطائرة او من قصفها بصاروخ منعا للحصول على معلومات اضافية او كانت هي من اسقطت الطائرة للحزب فوق الاراضي اللبنانية. وثمة من يعتبر ان استهانة اللبنانيين بانفسهم تشجع على الاستهانة والاعتداء عليهم ولا من رد فعل في حين يعتبر بعض آخر ان الامور التي على المحك هي ما يجري في سوريا بحيث قد يكون معلوما من هي بعض الجهات ممن يسير طائرات استطلاع فوقها في حين قد لا تعرف جهات اخرى كثيرة وانه ما دام الامر مرتبطا بالوضع السوري فان “حزب الله” يتعاطى مع الامور على نحو عملاني ولا يبدو مستفزا على نحو يسلط الضوء على قراره بعدم مواجهة اسرائيل في هذه المرحلة او ايضا مستفزا بضرورة ان تلتئم الحكومة من أجل ان تتخذ الموقف المناسب ضد اسرائيل ولو اعلاميا وسياسيا.