IMLebanon

أيّ صمود هو هذا؟

كثيراً ما يفاخر اللبنانيون بقدرتهم على تجاوز الإحباط الخانق الذي يطوّقهم، وإظهار تمسّكهم بالأمل، وبغدٍ أفضل. تراهم مثلاً يخرجون للرقص بعد ساعات من انفجار سيارة مفخخة ووقوع عشرات القتلى، ويقولون: هذا برهان على صمودنا. لن نستسلم لليأس. نريد أن نعيش على الرغم من كل شيء.

لكن هذا “الصمود” قد أصبح محض ذريعة لتبرير لامبالاتهم: لامبالاة وصلت في المرحلة الأخيرة من اختبارات مصائرنا، إلى درجات مقلقة ومَرَضية ومثيرة للقرف. أن نرقص بينما ثمة متظاهرون يتبهدلون ويُعتقَلون في وسط العاصمة. هذا الرقص ليس صموداً: إنه انعدام احساس. أن نغنّي بينما ثمة لاجئون ينامون في الخيم معرضين للبرد والجوع. هذا أيضاً ليس صموداً: بل قسوة وقلة إنسانية. أن نقهقه في بيروت بينما يجري تبادل إطلاق نيران في طرابلس. هذه قمة الضعف والاستسلام: منطق “من بعد حماري ما ينبت حشيش”، هو المنطق نفسه الذي أفضى بنا الى الهاوية أصلاً، وسيظل يفضي بنا إلى القعر، ما دمنا نلهث وراء هذا التفكير العدمي الخطير، مثلما يلحق حمارٌ بجزرة.

لا أدعو هنا الى النعيق، ولا بالتأكيد الى اعتماد الخطاب المضاد، المقيت بالدرجة نفسها، القائم على تمجيد الموت و”الشهادة” وجلد الذات والبكاء عليها. أعلم تمام العلم أهمية الإصرار على التفاؤل في المرحلة الراهنة. لكن تشغلني الأسباب العميقة التي تمثل وراء هذه اللامبالاة، وفي مقدّمها، في رأيي، انهيار مفهوم المواطنة، القائم في الأساس على التعاطف والتكاتف وعلى سلّمٍ من القيم لا يجوز الاستمرار في تجاهله، أو هدمه.

لا يمكننا أن نكون صامدين وأن نصر على الحياة، عملياً، في حين أننا نحتقر “مرآة” هذه الحياة. كلّي يقين أننا على العموم لا نحترم هذه الحياة، بدليل أن احترامها البديهي، المسلّم به، يجب أن ينطلق من مبدأ مشترك، هو الانتماء إلى المواطنة.

كمَن يريد في الظاهر أن يقنع نفسه بشيء، في حين أنه في الباطن، يفعل عكسه تماماً، واعياً بأنه منفصم ومتناقض. هذه هي حالنا نحن اللبنانيين: نظنّنا من أهل الصلابة، لكننا نشارك مشاركة منتظمة ودؤوبة في تدمير مداميك بلدنا الأساسية، المادية والرمزية على السواء.

لا أطالب بتحقيق المعجزات، بل فقط باحترام الحدّ الأدنى من المواطنة: أن نكون لائقين تجاه أنفسنا وتجاه الآخر في الآن نفسه. لا أكثر، لا أقلّ. هذا فقط من أجل أن نظلّ قادرين على إيهام أنفسنا بأننا حقاً لانزال على قيد الحياة.