IMLebanon

أي تموضع استراتيجي ضد الجغرافيا والتاريخ؟

 

 

لا مفاجأة في مضمون الرسالة التي بعث بها حزب الله الى عناوين عدة في الداخل والخارج. المفاجأة في التوقيت والشكل، عبر بيان لكتلة الوفاء للمقاومة تشدّد فيه على سلبيات المراوحة في تشكيل الحكومة وتحذر من تعقيدات جديدة. فالحزب لم يكتم يوما انه جزء من مشروع الأمة بقيادة الولي الفقيه. والمشروع يتقدم، بمشاركة الحزب، ويسجل انتصارات في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، لكنه يواجه تحديات عربية. واستراتيجية أميركية واسرائيلية لحرمانه من ثمار النصر وكبح النفوذ الايراني بالتفاهم مع روسيا.

والظاهر ان الساعة الاقليمية دقّت لأن يعلن حزب الله ان لبنان مدعو، حكومة وقوى سياسية، الى الاستفادة من تطورات الأوضاع في المنطقة لمراجعة تموضعه الاستراتيجي ولاعادة النظر في بعض علاقاته الاقليمية والدولية. وليس من أسرار الآلهة ما يراد من لبنان وله عبر مراجعة التموضع الاستراتيجي. انه أخذ لبنان رسميا الى المحور الاقليمي الذي تقوده ايران. وهو ان يتبنى لبنان موقف حزب الله من الدول الشقيقة للبنان في الخليج والصديقة في العالم.

 

وهذا، في الحدّ الأدنى، نهاية النأي بالنفس ومراجعة اتفاق الطائف، وهما من شروط التسوية السياسية التي جاءت بالعهد الحالي والحكومة. أما، في الحد الأقصى، فانه خروج من موقع لبنان التقليدي وعلى مواقفه المكرّسة منذ الاستقلال، وبالتالي وصفة لالحاق الأذى بالوطن ومصالح اللبنانيين. ومن الصعب أخذ البلد حيث لا يريد ولا يستطيع، أقلّه بالنسبة الى أكثر من نصف اللبنانيين. ولا أحد يعرف كيف يمكن ان تقرر القوى السياسية بدم بارد أخذ لبنان الى الحصار والعقوبات مع ايران، وهو المحتاج الى العرب والغرب.

ذلك ان لبنان ليس بلد الخيارات الكبيرة والخطوات الجذرية. لا على صعيد النظام، ولا على صعيد العلاقات الخارجية. فهو عصي على الثورات، لا على التقاتل والحروب الأهلية وغير الأهلية. وهو مغامرة حرية في هذا الشرق، لكنه محكوم بالتسويات. لا حرب دامت ١٥ سنة. بمشاركة اللبنانيين والمنظمات الفلسطينية ومعظم الدول في المنطقة والعالم قادت الى تغيير في جوهر النظام، وان غيّرت تسوية الطائف في ادارة السلطة داخل النظام. لا الرهانات السياسية الخاطئة التي قام بها بعض حكامه في مواجهة بيئته دامت أو أدت الى ما هو أقلّ من دفع أثمان باهظة. ولا القوى الاقليمية والدولية التي تحكّمت بلبنان وعملت على إلحاقه بمشاريعها وخططها تفادت إجبارها على الخروج منه.

ومن المفارقات مطالبة لبنان العاجز حتى الآن عن تأليف حكومة بعد انتخابات نيابية، بقفزة كبيرة فوق لهيب المنطقة.