Site icon IMLebanon

أيّ مفاجآت يُخبِّئها الجولاني في لبنان؟

 

يكشف الكلام الذي قاله أمير «النصرة» أبو محمد الجولاني أخيراً عن النظام والسُنَّة والعلويين والدروز والمسيحيين أنّ المرحلة السورية المقبلة مصيرية للجميع في سوريا. وما قاله عن «حزب الله» والشيعة وسائر الآخرين في لبنان يوحي أيضاً بمغامرات لبنانية آتية.

يقول الجولاني إنّ «حزب الله» سيزول بعد زوال الأسد. إذاً، هو يقلب المعادلة الحسابية التي على أساسها ذهب «الحزب» إلى سوريا، وهي: لو لم نذهب لإنقاذ الأسد من السقوط لكنّا مضطرين إلى مواجهة التكفيريين عندنا في لبنان.

وهذا يعني، منطقياً، أنّ «حزب الله» والجولاني يلتقيان على نقطة مشترَكة، وهي أن سقوط الأسد أو انتصاره في سوريا ينعكسان سقوطاً أو انتصاراً لـ«حزب الله» في لبنان. وتالياً، بالنسبة إلى الطرفين، لا قيمة للحدود القائمة بين الكيانين «الرسميَين». فالمتقاتلون المذهبيون هم أنفسهم على ضفتي الحدود وفي أعماقها. وإذا هُزِم طرف هنا، فقد ينتقم هناك. وإذا انتصر هنا، فقد يسيل لعابه لتعميم انتصاره هناك.

«الحزب» يُصرُّ على أنه مضطر للقتال دفاعاً عن الأسد في سوريا، لأنّ طموح التكفيريين لن يتوقف في سوريا. وإذا انتصر هؤلاء هناك، فسيتابعون طريقهم ويقتحمون الحدود مع لبنان، حيث ستكون في انتظارهم جماعات حليفة. وعندئذٍ، سيكون صعباً على الجيش و»حزب الله» وسواهما أن يصمدوا. ومن هنا، يقول «الحزب»، «لا خيار لنا إلّا القتال في سوريا ومنع سقوط الأسد».

طبعاً، المنطق المقابل يقول: ما كان هناك مبرِّرٌ لأحد كي يخرق الحدود الدولية إياباً، لو لم يبادر «الحزب» إلى خرقها ذهاباً. والأجدى كان الإفادة من القرار 1701 وتوسيع رقعة صلاحيّته لتشمل الحدود الشمالية. وعندئذٍ، ستكون الحدود مصانة دولياً.

وفي ظلّ الجدل البيزنطي من نوع «البيضة أولاً أم الدجاجة»، قام «حزب الله» بتجربته السورية. وواقعياً، دخل لبنان المأزق. فمع نضوج العديد من ملامح الحرب الأهلية في سوريا، يبدو أنّ التأثيرات السورية «الجدّية» في لبنان بدأت تتبلور أيضاً.

وسيضطر «حزب الله» إلى خوض الاشتباك، وإلى رسم قواعد فكِّ الاشتباك بينه وبين خصومه السوريين، ليس في سوريا وحدها، بل في لبنان أيضاً. فمن مصلحة هؤلاء الخصوم أن ينقلوا المعركة إلى ساحة «الحزب». وهذا ما أوحى به الجولاني في إطلالته الأخيرة.

والأوراق التي يمكن للجولاني استخدامها في لبنان، والتي ألمح إلى بعضها، هي الآتية:

1- العودة إلى أسلوب التفجيرات في مناطق «الحزب». لذلك، قال الجولاني إنّ الضاحية ستكون موضع استفهام لـ»الحزب». وقبل أيام، كشف الموقوف في تفجيرات الضاحية الانتحارية، العام الفائت، نعيم عباس، أنّ «النصرة» كلَّفته تنفيذها. وتزامناً، أُعلِن عن ضبط سيارة مفخَّخة في عرسال.

2- محاولة إشغال «الحزب» والقوى الأمنية الرسمية بعمليات توتير في بعض المناطق، ومنها مثلاً عين الحلوة أو بعض بيئات النازحين السوريين.

3- أطلق الجولاني مناشدات في اتجاه من سمّاهم «خصوم حزب الله» في لبنان للتعاون مع «النصرة». وإذا كان النداء يعني فريق «14 آذار» في المبدأ، فالواضح أنّ هذا الفريق، حتى بشقِّه السنّي، لن يتجاوب. لكنّ «الخصوم» المذهبيّين لـ»حزب الله» من جماعات متطرّفة قد يجدون الفرصة سانحة ليمدّوا اليد إلى الجولاني.

4- ابتزاز لبنان بورقة العسكريين المخطوفين.

5- محاولة التعرّض لقرى لبنانية حدودية.

6- التعامل مع «حزب الله» بالمثل، أيْ الدخول مباشرة في المواجهات العسكرية التي تندلع بين «النصرة» و»الحزب» على جبهات داخل الأراضي اللبنانية، ردّاً على دخول «الحزب» مواجهات مع «النصرة» في الداخل السوري. وهنا يبرز التحدّي الذي ينتظر عرسال.

فقد أطلق «حزب الله» هجومه في اتجاه جرود عرسال بعد زيارة حسّاسة قام بها مستشار مرشد الجمهورية الإيرانية علي أكبر ولايتي لبيروت

ودمشق. وبدأ «الحزب» هناك مواجهاته مع «النصرة»، وتوعَّد بأن «أهل بعلبك- الهرمل لن يستكينوا حتى يحسموا المعركة في الجرود ويتخلصوا من آخر تكفيري».

أما في داخل عرسال، فيصرُّ «الحزب» على أن يضطلع الجيش بدوره. لكنه يوحي باحتمالات عدة إذا لم تسمح الظروف للجيش بأن يقوم بهذا الدور. فعاجلاً أو آجلاً، يطمح «الحزب» إلى السيطرة على البلدة لضرورات تتّضح تدريجاً.

وعندما يعلن الجولاني أنّ معركته الحاسمة مع الأسد ستكون في دمشق، فهذا يعني أنّ «النصرة» و»حزب الله» يتنازعان بقعة القلمون التي تشكّل بوابة العاصمة السورية. وستكون عرسال جزءاً من لعبة الكرّ والفرّ في القلمون.

لقد أباح «الحزب» لنفسه أن يلعب أوراقه السورية بلا ضوابط، واليوم تحاول «النصرة» أن تردَّ عليه، بلا ضوابط، بأوراق ربما تملكها في عقر داره اللبناني. وأوحى كلام الجولاني الأخير بأنّ أوراقه جاهزة، وأنها قيد التحريك على الطاولة.

فأيّ مفاجآت يخبّئها الجولاني في لبنان، ومَن سيقول «آخ» أولاً، وأين: في سوريا أم في لبنان؟