ما كان ينقص هذا الزمن العبثي سوى أن يعلن بشار الأسد ان مكافحة الإرهاب «تحتاج الى جهود جديّة لا استعراضية».. كأنه مراقب بريء وبعيد، ولا علاقة له بإنعاش وانتعاش ذلك المناخ المدَوزن والمنظّم والمدروس بعناية ومراس، والمطلوب منه في العموم ان يقدّم عيّنة مشوّهة عن «البديل» الذي يعنيه التغيير في سوريا.. وعن الاسلام العربي المختلف عن الاسلام الإيراني!
قبل الآن بقليل، خرج الى العلن جدال صاخب داخل الادارة الاميركية، وعلى حواشيها في واشنطن، خصوصاً لدى المراكز البحثية التي يُسمع رأيها الى حدّ ما في آلية صنع القرار، ومحوره (الجدل) هو مدى «استفادة» الأسد من الحرب المعلنة على الإرهاب، ومن ثم معنى تلك الحرب اذا كانت ستعالج النتيجة وتتجاهل السبب، أي ستطال منظمات الإرهاب وتنسى أن الأسد هو المستنقع الذي تنمو فيه تلك الظواهر والطحالب السامّة!
وقبل ذلك، كان الأسد «جَاهَدَ» وتَعِبَ ووسّط وبَذَلَ ما بَذَلَ من أجل اعتباره «جزءاً» من الحرب ضد الإرهاب.. وكادت قصّته أن تُقرأ في مكان ما (!) قبل أن يعود منطق الأمور ليتسيّد (جزئياً) ويفرض قانونه الحاكم بأن «داعش» مشكلة فرعية ناشئة من أصل هو استمرار النكبة السورية لأن الأسد مستمر في إدعاء حكمه لسوريا!
لكن ذلك في مجمله هو الذي سمح ويسمح لواحد من أسوأ صنّاع الإرهاب في العصر الحديث، أن يخرج للاستعراض داعياً الى عدم الاستعراض! أي ان يخرج «لينتقد» عدم جدّية الغرب الاميركي أساساً في مكافحة الظاهرة الإرهابية فيما هذا الغرب ذاته، لا يزال في مرحلة «درس» الظاهرة الأسدية ولم يتخّذ بعد أي خطوة جدّية لمعالجتها بطريقة حاسمة!
تبعاً لهذا الطقس العبثي، لم يكن غريباً أن يُصار بالأمس تحديداً، الى تنظيم مؤتمر دولي «لمواجهة الخطر التكفيري» في إيران! وبمشاركة وفود تمثل 80 دولة عكفت على دراسة «الحلول المناسبة لاستئصال الفكر التكفيري».
.. والاستئصال مصطلح جذري جرى استخدامه في العراق إزاء «البعث» والبعثيين من قبل الحكم الذي دعمته إيران بالغالي والرخيص، وكانت نتيجته المثلى إنضاج حالة تكاد أن «تستأصل» البنيان الوطني والاهلي والديني العراقي من اساساته!
والحاصل: إيران تطالب «باستئصال» «الفكر التكفيري» لصالح فكرها «التنويري»! والأسد يطالب بالجدية في محاربة الإرهاب لصالح ديموقراطيته ومدنيته وليبراليته الطافحة في وجه السوريين منذ أربعة أعوام!
والخلاصة: «داعش» عبث فرعي متأت من عبث أصلي وأصيل. أما قمّة ذلك، فأن تبدأ واشنطن اعتباراً من الغد ببذل مساعيها المكوكية للوصول الى «سلام عادل وشامل» بين السوريين والعرب من جهة وايران والأسد من جهة ثانية! شبيهة بتلك المساعي التي تبذلها منذ نحو اربعين عاماً لإنضاج «سلام عادل وشامل» بين العرب والفلسطينيين من جهة واسرائيل من جهة ثانية!
.. هل هناك «ألطف» من هذه اللغة لتوصيف طبيعة العبث المستشري هذه الأيام؟!