Site icon IMLebanon

أيّ مهمة رسمتها «المرأة الحديدية» لها وللجيش!؟

مَن تابع أولى إطلالات السفيرة الأميركية الجديدة اليزابيت ريتشارد تأكد من أنها لا تقوم بجولة تعارف تقليدية، بل هي في أوج مهمّتها. فقد تعرّفت الى المسؤولين وواكبت ملفات لبنان مسبقاً، وزادتها مهماتها في افغانستان وباكستان واليمن صلابة وخبرة في معالجة الأزمات لفهم ما يجري في بلد متفجّر، فاستحقت لقب «الديبلوماسية – المرأة الحديدية». كيف تمّ التوصل الى هذا التوصيف والقراءة؟

منذ وصولها الى بيروت باشرت ريتشارد مهماتها في بلد مأزوم يعيش الشغور الرئاسي بعدما إنتُدبت لهذه المهمة قبل عام لتتوِّج بها مهمات ديبلوماسية امتدت على مدى 30 عاماً في السلك الخارجي.

ويقول ديبلوماسي عتيق إنّ ريتشارد كُلِّفت هذه المهمة الإستثنائية عن سابق تصوّر وتصميم في مرحلة هي الأخطر على المستويَين الداخلي والإقليمي لوقوع لبنان على خط الزلزال الكبير الذي تشهده سوريا وانعكاساته الخطيرة على وضعه الداخلي والحدود على حدٍّ سواء، بالإضافة الى كمّ المشكلات المتصلة بالنازحين والتطوّرات العسكرية.

فالحرب السورية التي ألقت بثقلها على لبنان ودول الجوار، كانت الأكثر تأثيراً على الساحة اللبنانية بعد نزوح نحو مليون ونصف مليون سوري الى لبنان بمَن فيهم الموالون للنظام والمعارضون الذين يمكن أن يتواجهوا في خطوط تماس متحرّكة ويشكلوا خلايا نائمة قد تُفجّر البلد في أيّ لحظة.

والأخطر أنّ كلّ هذه التبعات زادت من سوء الوضع الداخلي بعدما بدأت تظهر الآثار السلبية للشغور الرئاسي التي انعكست مزيداً من التوتر الداخلي وشللاً حكومياً وقصوراً نيابياً أعقَب هزات أمنية خطيرة رفعت من منسوب مخاطرها العملياتُ الإنتحارية والسياراتُ المفخخة التي توزعت بين الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق مختلفة.

كل ذلك جرى تزامناً مع «غزوة عرسال» التي انتهت بوجود تهديد مباشر لأمن الحدود اللبنانية – السورية بعدما أُلغيت أجزاء منها وزاد من حجمه وقوع مجموعة من العسكريين أسرى لدى المنظمات الإرهابية.

والى هذه الوقائع الميدانية والعسكرية، كانت المراجع الديبلوماسية تتابع بقلق حجم انخراط اللبنانيين في الأزمة السورية وانعكاساته المحتمَلة على لبنان. فجعلت البلد في حال غليان طائفي ومذهبي زاد من حدّته اعتبار اللبنانيين أنّ الحرب السورية هي الترجمة المأسوية للنزاع السنّي – الشيعي الذي تتجاذبه الرياض وطهران، وهما اللتان تتحكّمان بالساحة السياسية اللبنانية وكذلك العربية والإسلامية.

في ظلّ هذه المخاوف وعلى وقع مخاطرها، سُمّيت ريتشارد لهذه المهمة بعدما إختيرت لها قياساً على تجاربها السابقة التي عاشتها في مناطق كانت مسرحاً للتوتر بين الأطراف انفسهم المتحكّمين بالأزمة السورية اليوم بما لها من تداعيات على لبنان والعالم، وهي الخبيرة في مواجهة مثل هذه الأوضاع.

فهي كانت تدرك ذلك بوضوح بدليل أنها خاطبت في 10 آذار الماضي أعضاء لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ عند امتحانها للمهمة الجديدة في بيروت.

وأكدت بعد إعلان قبولها المهمة التي كلّفها إياها الرئيس الأميركي باراك أوباما أنها مستعدة لها وهي التي «أمضت سنواتها الأخيرة من مهماتها الديبلوماسية في بعض البعثات الأكثر تحدّياً في العالم»، في إشارتها الى الخبرة التي إكتسبتها من خلال «العمل في أفغانستان وباكستان وأخيراً في اليمن»، بكل ما يعني ذلك من تجارب قريبة من التجربة اللبنانية.

ولم تنسَ ريتشارد الإشارة الى حجم استعدادها لتنفيذ المطلوب منها في بيروت، فلفتت اعضاء اللجنة إلى أنها بذلت حيث تولّت مهمات ديبلوماسية، جهوداً متخصّصة في «شؤون المساعدات الأمنية والنازحين ومكافحة المخدرات والبرامج المتعلّقة بالاقتصاد…».

وهو ما ينطبق على مسرح مهمتها في بيروت وما ستعالجه كممثلة لدولة كبرى في «خضم الأزمات المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط التي تجعل من وجود الولايات المتحدة في القيادة أكثر ضرورة من أيّ وقت مضى»، كما قالت في شهادتها.

وفي ضوء هذه المعطيات الأميركية وتلك المحلّية والإقليمية، التي أحاطت بتسمية ريتشارد لمهمتها، توقّف الديبلوماسي أمام مضمون كلمة ريتشارد التي ألقتها أمس الأول الثلثاء في مناسبة تسليمها دفعة جديدة من المساعدات الأميركية للجيش، فقرأ في كل فقرة من كلمتها ما يؤكّد أنّ المرأة كلفت مهمات إستثنائية لظرف إستثنائي، وأنها جاءت في الموقع والمكان المناسبين وكأنها تكمل مهمّتها السابقة في معالجة ملفات الدعم العسكري الأميركي للبنان ومتابعة شؤون اللاجئين في بلد اللجوء.

وفي كلمتها التي عمّمتها السفارة الأميركية سلّطت ريتشارد الضوء على مهمتها في بلد هو أكبر شريك أمني لبلدها في المنطقة، وقالت في إحصائية سريعة لها «إنّ لبنان يحتل الموقع الخامس عالمياً على لائحة الدول الأكثر تلقياً للتمويل العسكري الأجنبي للولايات المتحدة في العالم».

ولذلك ظهرت ريتشارد وهي ترسم برؤيتها مهمّتها في تعزيز كل أشكال التعاون مع لبنان ومستقبل الجيش ودوره، فأوحت أنّ الإمكانات الأميركية التي وُضعت في تصرّفه لا تسمح بحماية حدوده فحسب، بل «تؤهّله للتحرّك في أمان ضمن نطاق مسؤوليته»، كذلك تتيح له «نقل المعركة إلى أرض العدو… والانتقال إلى الهجوم».

وانطلاقاً من هذه الملاحظات السريعة على موقف ريتشارد وما سبق تكليفها هذه المهمة، يُصرّ الديبلوماسي على إطلاق وصف جديد عليها، فهي برأيه «الديبلوماسية – المرأة الحديدية»، مراهناً على أنّ الأيام المقبلة ستثبت ذلك بكل ثقة وجدارة.