Site icon IMLebanon

أي إرهاب؟

تفصيل في المشهد العام، ممارسات ما يُسمى «الحشد الشعبي» في الفلوجة العراقية ومحيطها. وهو المشهد الذي رسمته ادارة باراك اوباما، لكل من العراق وسوريا، وأوصل او يكاد، الى التيقن من ان هذه الادارة لا تريد فعلياً وعملياً «محاربة الارهاب» وإنما انعاشه! ولا تريد ضربه إنما تغذيته!

في خطوط هذا المشهد وعناوينه العريضة، ان الادارة الأوبامية لزّمت مهمة «محاربة الارهاب» الى رعاته! او في تقدير أقل قسوة وفظاظة، الى الجهات والقوى التي انتجت وتنتج اوضاعاً أشد خطراً، من ارهاب مدّعى! مع انها تعرف، مثلما يعرف الجميع بالمناسبة، ان الممارسات الحاصلة، تنهي او «تعالج» حالة ارهابية موضعية لكنها تطلق في المقابل رياح انقسامات شاملة تحمل في بطونها بذور ارهاب قد يكون اكثر حدّة او ظلامية وبؤساً من ذلك القائم اليوم.

.. هذه ادارة تعرف ماذا تفعل! وماذا تريد! وتعمل وفق اجندة تستند الى نظرية يمكن تلخيصها كالآتي: كل المشتبكين على الارض أعداء من حيث المبدأ، وبدلاً من التورط في الحرب (أو استئنافها) ضدهم في العموم (مثلما فعلت ادارة جورج بوش)، من الافضل والاسلم والاوفر، التفرج عليهم من بعيد، وتزكية التعارضات المفضية الى إكمال المذبحة بينهم. وذلك يستدعي في الظاهر الشيء ونقيضه: غضّ النظر عن ادوار ايران في العراق، بل وتشجيعها على المزيد! ومحاولة لجمها في سوريا من خلال تزكية الدور الروسي و»مواكبته» ميدانياً بما يرسّخ الاستنزاف الدموي الجاري، ويمنع الوصول الى اي حسم يوقف ذلك الاستنزاف.

تعرف ادارة اوباما يقيناً، ان آفة الارهاب (الفعلي والمفتعل) لا تنفصل في تفاصيلها وعمومياتها عن المعطى المذهبي المتشظّي والمشتعل في العراق. ولا تُعالج بالتالي على ايدي قوى مذهبية لا تختلف ممارساتها ولا توجهاتها عن تلك التي تضع اصحابها تحت خانة الارهاب! وتعرف اكثر من ذلك، أن تلزيم ايران جانباً من «الحرب على الارهاب» لا يعني غير ابقاء العراق كله في الفرن! وابقاء النار مندلعة الى يوم القيامة! طالما ان المنطق يقول إن الارهاب لا يقاتل الارهاب! ولا توجد في هذه الدنيا، نظرية حصيفة تفيد بأن هناك ارهاباً اسود وآخر ابيض! أو ارهاباً خيّراً وآخر شريراً! او ارهاباً «صديقاً« وآخر عدواً!

ما تفعله ميليشيات ما يُسمى «الحشد الشعبي» في الفلوجة ومحيطها هو وصفة مثلى لإخراج من بقي عاقلاً حتى اليوم، من عقله وثيابه! وكأن ذلك هو المطلوب تماماً بتاتاً كي يُقال في الاجمال، ان لا «شريك» للايرانيين في التحكّم بالعراق! تماماً مثلما حاولت اسرائيل ان تقول على مدى عقود بأن لا شريك فلسطينياً يمكن ان «تفاوضه» بل الجميع مصنف في خانة العبث والعدم والارهاب!

واللعبة ذاتها تُدار في سوريا وإن اختلفت الهويات والاهواء: قبل العام 2013 لم يكن «داعش» حاضراً في المشهد السوري المعارض! بل لم تكن «النصرة» بدورها على ذلك الصيت والغنى! ولأن المطلوب كان (ولا يزال!؟) إكمال المذبحة وتدمير ما تبقى من مقومات سوريا، سلطوياً وبشرياً وعمرانياً، جرى الدفع باتجاه تظهير كل مسببّات الغضب والاسى، وتنمية كل ما يولد التوحّش ويغذّيه بحيث ان كل فظاعات وارتكابات السلطة الاسدية صارت في (العرف الاميركي!) موازية لجريمة ارتكبها «داعش» هنا او هناك!

هذه ادارة تعرف يقيناً ان ما يحصل من الفلوجة الى الرقة الى منبج، لن يُوصل الى القضاء على «الارهاب» الراهن.. وتعرف يقيناً، أن ما يحصل تحت تلك اللافتة، يؤسس لمواجهة طويلة المدى وليس العكس.. وهذا تماماً ما «توقّعه» باراك اوباما عندما تحدث عن «حرب على الارهاب» تمتد على مدى عقدين من الزمن!؟